في خضم الأزمات الاقتصادية المتكررة، يبرز دور الاستثمار الضروري لحماية المدخرات من التضخم الذي يلتهم قيمة الأموال وقوتها الشرائية مع مرور الوقت. ولنأخذ مثالاً من الكويت، ففي عام 2003، كان بإمكانك استخدام دينار كويتي لشراء كمية من السلع والخدمات، أما اليوم، وبعد مرور 20 عاماً، فقد الدينار قوة شرائية كبيرة بسبب التضخم المتراكم، حيث بات شراء نفس السلع والخدمات يتطلب كمية أكبر من الدنانير. الرسم البياني المرفق رقم 1 يوضح ذلك: لاحظ أن القوة الشرائية للدينار الواحد في 2003 تعادل 515 فلسا فقط في 2023، أي أن التضخم أكل ما يفوق 48 %من قيمة أي دينار تم الاحتفاظ به ولم يتم استثماره خلال تلك الفترة، ولكن كيف يمكننا حماية مدخراتنا من هذا التآكل؟

Ad

الجواب يكمن في الاستثمار، حيث تتيح لنا مختلف أدوات الاستثمار، مثل الودائع والأسهم والصكوك والعقارات، فرصة تحقيق عوائد تفوق معدل التضخم، مما يحافظ على قيمة أموالنا ويعزز قدرتها الشرائية على المدى الطويل.

ففي الكويت، شهدت أسواق الأسهم نمواً ملحوظاً خلال العقود الماضية، حيث حققت الشركات القيادية ذات الجودة العالية عوائد سنوية مجزية لمن احتفظ بها لفترات طويلة، كما أن العقارات في الكويت حافظت على قيمتها وارتفعت ارتفاعا كبيرا بشكل عام، مما يجعلها أداة استثمارية جذابة على المدى الطويل. اختلف أداء المستثمرين بالأسهم والعقارات خلال تلك الفترة، وشهدت تقلبات في عدد من السنوات، ولذلك تباينت العوائد المحققة لكل منهم، نستدل بأداء أحد الصناديق للأسهم المحلية خلال تلك الفترة، وقد حقق عائدا سنويا 9%، وصندوق عقاري محلي حقق عائدا سنويا 6.5% من توزيعات وتغير في السعر.

إن الاستثمار هو ضرورة لحماية مدخراتنا من مخاطر التضخم، وضمان مستقبل مالي مستقر، ولكن من المهم التأكيد على أن الاستثمار ينطوي على مخاطر، مما يتطلب منا الحرص على تنويع محفظتنا الاستثمارية لتقليل المخاطر، بحيث يكون التنويع على المستوى الجغرافي بين المحلي والعالمي، وكذلك على مستوى الأصول الاستثمارية، بحيث تحتوي المحفظة الاستثمارية على صناديق نقد، أسهم، عقارات، ملكيات خاصة أو غيرها من الأصول الاستثمارية.

الرسم البياني رقم 2 يبين فكرة وأثر الاستثمار مبكراً ولفترة طويلة، على سبيل المثال لو استثمر شخص في محفظة متوازنة تحقق 6% سنوياً خلال 20 عاماً سيتمكن من تنمية كل دينار مستثمر الى 3.4 د.ك، مستفيداً من فكرة العوائد المركبة (Compound Return). ولو استثمر دولارا واحدا في محفظة أسهم شركات أميركية خلال نفس الفترة لتمكن من الوصول الى 8 دولارات (مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة استثمار التوزيعات النقدية السنوية). ستتغير الأرقام والنتائج باستخدام فترات زمنية مختلفة، لكن الغرض من المثال هو إيصال فوائد الاستثمار طويل الأجل. نلاحظ معاً أن الاستثمار لم يحافظ فقط على القيمة والقوة الشرائية، بل ساعد كذلك على تنمية ومضاعفة المبلغ المدخر.

علماً أن الأسواق المالية المحلية والعالمية تمر بأزمات وسنوات هبوط وخسارة، ولكن استمرار المستثمر فترات طويلة يقلل من أثر تلك التقلبات والمخاطر. مع تطور التكنولوجيا المالية وتوفر منصات وتطبيقات التداول في متناول الأفراد، أصبح بإمكانهم تكوين محفظة متنوعة من الأصول المتوافقة مع الشريعة، وبما يناسب شهيتهم لتقبل المخاطر عن طريق استخدام صناديق متداولة وصناديق مؤشرات (ETF) عالمية. ختاماً، إن الاستثمار هو حصن يحمي أموالنا من تآكل قيمتها بفعل التضخم ويساعد على تنميتها، فلا تتردد في اتخاذ قرار الاستثمار حالاً وإياك والانتظار والتسويف.