وقفتْ متهيبة وهي تقدم لي كتاباً بعنوان «من هنا نبحر» وأكملت حديثها معي بأنها وجدت فيه ما سيهمني، في نهاية الكتاب الذي أحضرته زوجة ابني هنالك رسائل معدودة تقول: «أطروحتنا باختصار: التعليم أمننا الوطني، هو درعنا ضد الفساد، هو اقتصادنا في عصر المنافسة، هو سفينة النجاة لمستقبل أكثر أمناً».
لم يأخذ هذا الكتاب حقه من النقاش الذي يستحقه، ولا أدري من الجهات التي استفادت من الموضوعات والأفكار التي تضمنها، إنما ما آراه أنه غني بدعوته إلى التفكير وبصوت عال، تعالوا نبني أملاً لمستقبل التعليم في الكويت، لأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
المشاركون هم أساتذة محترمون وجادون في اختصاصاتهم، واسمحوا لي أن أعدد أسماءهم: د. إسراء العيسى، ود. عهود العصفور، ود. علي الكندري، ود. فاطمة الهاشم، ود. عبدالله الفيلكاوي، ود. إبراهيم الحوطي، والأستاذ يوسف المحميد، إضافة إلى 55 باحثاً وأستاذاً وأكاديمياً كانت لهم مساهمات في الندوات حول التعليم.
هؤلاء رسموا «خريطة طريق لإصلاح التعليم في الكويت»، كيف تم ذلك؟ خرج المشروع كمبادرة وطنية ومن رحم المعاناة التعليمية التي كشفتها أزمة كورونا، وإن كانت أزمة التعليم بدأت قبل ذلك بسنوات، ما تسعى إليه المبادرة أنه لا ريادة للكويت من دون تعليم يواكب المتغيرات، وليكن التعليم أولوية لدى متخذي القرار.
جاءت الدراسة بعد قراءة أبحاث عديدة وإجراء مقابلات شخصية وتنظيم سلسلة لقاءات ساهم فيها مختصون، والاطلاع على تجارب متنوعة وجمع إحصاءات موثقة، بعدها بادروا بالجواب عن السؤال: من أين نبدأ؟ وحتى لا تكون المبادرة «حبراً على ورق» أدرك القائمون عليها مدى أهمية أن تجد من متخذي القرار وصانعي السياسات آذاناً صاغية بتحويلها إلى واقع من خلال تشكيل فرق لتطبيق التوصيات، فالأمر يعود أولاً وأخيرا إلى قرار القيادات وصناع القرار السياسي.
الرسائل والتوصيات هي زبدة البحث، وخلاصة التحليل الذي انتهوا إليه، تبدأ بالقول إن التعليم في جميع مراحله هو أولى الأولويات، وليكن نظام الدولة بأكمله في خدمة التعليم وبرؤية واضحة بعيدة المدى، فهو القاطرة الحقيقية للتنمية.
ثم تأتي جملة من التوصيات أبرزها، الفصل بين السلطات التعليمية حاجة ماسة وضرورية لضمان الجودة والنزاهة، بمعنى أن يكون البدء بالإصلاح من بوابة «البيت التربوي»، وأن حجر الأساس في التعليم أو كيفية الارتقاء بالمعلم ورفع كفاءته المهنية، حسن الاختيار للمعلمين وإعادة هيكلة الكليات المسؤولة عن إعدادهم.
المنهج يأتي على رأس قائمة الإصلاح التعليمي، والاهتمام بمرحلة الطفولة وبناء الشخصية الفاعلة، وكذلك أصحاب الهمم العالية، أي الفئات الخاصة والاستثمار الحقيقي في التعليم العالي والبحث العلمي، ولأنه لا تنمية بلا تعليم تطبيقي ومهني، فهذا يستدعي وضعه ضمن الأولويات بتحديد الرؤية المستقبلية.
ترسم المبادرة الأسس التي تحتاجها كي لا تضيع البوصلة، فالحوكمة والشفافية والعدالة مفاتيح تصحيح عمل وزارتي التربية والتعليم العالي، لأن غياب الحوكمة يعني مزيداً من الهدر وتفشي المحسوبيات والفساد والتضخم في الدرجات والترهل في المخرجات، فلا تعليم من دون عدالة ولا تعليم من دون نزاهة.