نستكمل في هذا المقال ملاحظاتنا حول معجم «الوافي» في اللهجة الكويتية للباحث خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد:

وبمناسبة الحديث عن الموسوعة الكويتية المختصرة لحمد السعيدان، فقد لفت نظري أن الباحث «خالد الرشيد» لا يورد الكثير من الكلمات الكويتية التي يوردها «حمد السعيدان» و«أيوب حسین» في کتابه «من كلمات أهل الديرة»، وربما في مراجع أخرى، فالرشيد لا يورد كلمات كويتية بعد كلمة «بنك» التي ناقشنا أصلها، في حين يذكر «السعيدان» عدة كلمات كان يجدر بمعجم «الوافي» أن يفيها حقها من الشرح، مثل كلمة «بَنْكة»، بمعنى مروحة، و«بنكلة» وتعني العمارة، و«بنّور» وهي القطع الزجاجية الملونة... إلخ، فلعل الباحث الفاضل يفعل ذلك في الطبعة القادمة.

Ad

23- يورد الباحث مصطلحين طريفين متنافسين في الطول! هما «بوشبر» و«بوفتر» وكلا الكلمتين غير موجودتین ضمن حرف الباء في كتابَي «السعيدان» و«أيوب حسين»، وكلاهما، يقول الرشيد، «نوع من أنواع المسامير الكبيرة التي تستخدم لبناء السفن، مسمار بوشبر ومسمار بوفتر!

24- يقول «الرشيد» في مادة «بوم»، من أنواع السفن أن «بوم كنكون» يستخدم ما بين موانئ الكويت وميناء کنكون في إيران، وبوم «تنكريسي» يستخدم ما بين موانئ الكويت وميناء «تنكريس» في إيران والصواب «تنكسير».

25- دخلت كلمة «بيرق» القاموس العربي واللغة العربية وترد كثيراً في الأشعار المعاصرة، وجمعها «بيارق»، ولكن الكلمة تركية، كما يقول قاموس «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» طبعة 2001، ذلك أن في اللغة العربية كلمات أخرى مقتبسة من الفارسية كبيدق، ومن الآرامية مثل بيدر وهو جمع الحصاد، و«البيرق» يقول المنجد إنه «علم كبير أو راية»، وربما دخلت العربية في زمن المماليك أو قبل ذلك (Bayrak) في القاموس التركي وفي المعجم الوسيط: البيرق: العلم الكبير.

26- يقول معجم «الوافي» للرشيد إن كلمة «تَنْتَة» هي الفتحة الموجودة في سقف السيارة، ويقول «السعيدان» عن معنى هذه الكلمة إنها تعبر عن «نوع من السيارات الصالون مكشوفة السقف ويمكن إغلاقه عند اللزوم»، ويخلو كتاب «أيوب حسين» وعنوانه كما ذكرنا «من كلمات أهل الديرة»، طبعة 1997، من الإشارة إلى هذه المادة، ولكن ما علاقة كلمة «تنتة» بفتحة السيارة؟

الأرجح في اعتقادي أن كلمة «تنتة» أطلقت أساساً على السيارات المكشوفة، أي التي بلا سقف معدني، حيث يغطى السقف بنوع من القماش السميك الذي يستخدم في صنع «الخيمة» وتسمى بالإنكليزية Tent، ومن هنا استخدمت كلمة «تنتة»، وفي قاموس «المورد» للغة الإنكليزية- العربية كلمة Tented بمعنى مغطى بخيمة أو خيام أو خيمي الشكل.

27- في تفسير الباحث «الرشيد» لكلمة «توهدن» يقول: هي الضرب والعتاب والتأنيب الذي لا يخلو من استخدام الأدوات الحادة والثقيلة، غير أن الشاهد اللغوي الفصيح «هدَنَ» لا يدعم هذا التفسير، بل هو مضاد له في المعنى، فكلمة هَدَن هي أصل مصطلح «الهدنة» بمعنى الإيقاف المؤقت للصراع والقتال، ويقول «المنجد»: هدَّنهُ بمعن سكَّنه، ثبّطهُ، يقال: هدّنوه بالقول حتى هدن، ويقال: هدنت المرأة حبيبها بكلامها لينام أي أهدأته، هادنهُ صالحهُ، أما «وهد» فمن معانيها وهَّدَ له الفراش: مهّده.

28- تحتاج كلمة «تيانة» الكويتية إلى المزيد من التوضيح في معجم الرشيد يقول: «وهي الأثر الذي تتركه عملية التطعيم، لتطعيم شلل الأطفال وغيره، ولا تقال عن الجروح التي تتركها الآلات الحادة»، ولم نجد الكلمة في موسوعة السعيدان.

وكتب «أيوب حسين» يشرحها فقال: «التتيونة» هي التطعيم ضد مرض الجدري، وقد دار جدل الجواز شرعاً والتحريم بشأن الطب الوقائي في حالة انتشار الأوبئة في مجتمعات عديدة، أما في الكويت، يقول أيوب حسين، ففي «أوائل الأربعينيات قامت الحكومة بفتح مقر كما علاج أو يسمى هذه الأيام عيادة أو مستوصف أشرف عليه طبيبان سوريان الأول اسمه يحيى الحديدي واسم الثاني صلاح أبوالذهب يساعدهما مجموعة من الممرضين الكويتيين».

ويضيف الفنان الكبير والمؤلف أيوب حسين: «وقد أقبل الكويتيون إقبالاً شديداً عليهم للتطعيم أو (للتّتيّن)، وصار الأطفال يتباهون بها بل يتنافسون، كلٌّ يكشف عن ساعده أيهم أعمق جرحاً أو أكبرهم مساحة، حيث لا يوجد طفل أو شاب من ذكور وإناث عاصروا تلك الفترة، إلا وفي ساعده علامة (التتيونة) فتظل معه حتى نهاية العمر، كلما شاهدها استحضر أيام طفولته وصباه، وتذكر ذلك المقر المسمى «الدختر السوري» الواقع بجوار مسجد الخليفة الملاصق لمسجد الدولة حالياً، والمقابل للمدرسة الجعفرية طوال فترة الأربعينات». (من كلمات أهل الديرة، أيوب حسين الأيوب، 1997، ص130- 131).

ولا أعرف إن كان بعض الباحثين قد درس انتشار الأوبئة في الكويت وموقف بعض المتزمتين من التطعيم، ولكن سمعت عن حالة تحريم واحدة تسببت في فقدان أحدهم نعمة البصر من الجدري الذي يسبب العمى أحياناً، ولا شك أن بعض الفتاوى صدرت فى حالات أخرى لكنها عموماً ولحسن الحظ لم تكن مؤثرة. (انظر مقالنا «وباء أوروبا» في الجريدة 2021/1/27)

ولكن ما أصل كلمة «التتيانة» أو «التيانة»، فقاموس المنجد لا يذكر، إلا كلمة «تتن»، ويقول «إن معناها التبغ ومعناه بالتركية الدخان»، وبالفارسية تترجم tobacco إلى «توتون» أو «تنباكو» بمعنى التبغ، ويبقى جذر كلمة التتيون غير واضح لنا.

29- يقول الرشيد إن كلمة «تيانة» مشتقة من «كرنتينه» أي «الحجر الصحي»، والكرنتيلة هو محجر صحي يُحجز به القادمون من بلاد تنتشر فيها الأمراض المعدية.

وقد شرحتُ معنى كلمة «القرنتينة» في المقال نفسه المشار إليه في (الجريدة، 2021/1/27) وأعيد هنا نشر فقرة مما جاء فيها عن كلمة Quarantine يبين أصل تطور الكلمة، لعلها تفيد القارئ: «فعندما كان الطاعون يجتاح أوروبا صدرت تعليمات صارمة في ميلان والبندقية بين عام 1370 و1374، وقبل أن يصل إليها الوباء كان من نتائج تنفيذها وقف تقدم المرض نحو هاتين المدينتين وتجد إجراءات الحجر الصحي كذلك أو «الكرانتينا» أصولها في إيطاليا في جمهورية رجوسا Regusa القائمة على الشاطئ الشرقي للبحر الأدرياتيكي.

فقد تم إنشاء مرفأ بعيد عن مدينة البندقية ينزل في مرفئها القادمون المشتبه فيهم، حيث يلزمون بتمضية ثلاثين يوماً في العراء وتحت الشمس وعزلة تامة وكانوا يسمون هذه المدة (ترانتينا) أي ذات الثلاثين، ثم رُئي إطالة هذه المدة الى أربعين يوماً (كوارانتينا) ذات الأربعين، ومنها أخذت الكلمة الحديثة (الكرانتينة)، (تاريخ العالم، ج 5، ص552)»

30- يتناول معجم «الوافي» كلمة «تيزاب»، وهو ما يدعى أو يسمى الماء المقطر الذي كان يوضع في بطاريات السيارات، وهو سائل شديد الخطورة على جلد الإنسان ويسمى عادة «حامض الكبريتيك»، ويترجم الباحث كلمة «تيزاب» الفارسية بمعنى «ماء النار» ويقول إن «تيز» تعنى نار بالفارسية، والواقع أنها تعني «حاد» أو«مفلفل»، وتأتي في كلمات أخرى مثل«تيزبين» بمعنى حاد البصر و«تيز هُوش» بمعنى ذكي أو سريع البديهة، أما النار فتسمى «آتش» و«آتش»، بفتح التاء أو كسرها، بمختلف معانيها كنار الحرب مثلاً، «آتش بَس»، أي وقف إطلاق النار، أو «آتش عشق» أي نار الحب، و«آتش نشاني»، أي إدارة الإطفاء.

31- يورد معجم «الوافي» كلمة «تَرَى» بالألف المقصورة، فيما يستخدم السعيدان الألف «ترا» ويقول إنها «اصطلاح بمعنى «يكون في علمك» نحو «ترا اليوم عطلة»، أو «ترا فلان عمل كذا». ويقول الرشيد: ترى كلمة تحذير. وتقول: «ترى ينتهي اللي بيني وبينك»، أو «ترى أقوم واكسر راسك»، أو «ترى إن رحت ما تحصّل أحد».

ويقول «الرشيد» إن معناها «سوف ترى»، كما أن كتاب «أيوب» لا يوردها وربما كانت الكلمة مستقاة من إحدى اللهجات الفارسية المحلية أو المجاورة، أو ربما من لهجه بعض القبائل العربية.

32- يعيد الرشيد كلمة «جام» بمعنى الزجاج، إلى اللغة الفارسية في حين أن الاستخدام الواسع لكلمة «جام» للزجاج هي فى اللغة التركية، أما الإيرانيون فيستخدمون كلمة «جام» بمعنى كأس في الأشعار خاصة وكلمة شيشة للزجاج، أما في اللهجة الكويتية فنحن قد نستخدم كلتيهما، والأرجح أننا اقتبسنا كلمة «جام» من التركية مع دخول السيارات وربما من العراق العثمانية أو الفترة اللاحقة، وانتشر استخدام الكلمة مع تزايد استخدام الأدوات والأواني الزجاجية.

خاتمة:

نقف في قراءة معجم الباحث «خالد الرشيد» عند هذا الحد، مؤقتاً، أي ص164، آملين أن تواصل قراءة الكتاب والاستفادة مما ورد فيه من معلومات قيمة.

ولا شك أن المسؤولية اللغوية الملقاة على عاتق الباحث «الرشيد» ثقيلة وبخاصة إن كان يطمح أن يكون معجم «الوافي» مرجعاً أساسيا في مجاله، فعليه أن يقوم باستمرار بتطوير مادته العلمية وتجويدها، وعليه كذلك دراسة محتويات موسوعة «السعيدان» ومعجم «أيوب حسين» وغيرهما، ومعالجة الكلمات والتعابير الكويتية الموجودة في الكتابين واستخدام الأساليب والأسماء العلمية للنباتات والحشرات والحيوانات إلى جانب الكلمات الكويتية، فهذا من ضرورات الرصانة العلمية والدقة المعلوماتية.

شكراً جزيلاً للباحث الفاضل خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد على ما بذل ولا يزال في مجال خدمة الثقافة الكويتية، متمنين له دوام التوفيق.