هل نضع النظم والقوانين لتحقيق الغايات والأهداف، أم أننا نعيش حياتنا فقط لتطبيق النظم والقوانين، بغضّ النظر عن أهدافها وغاياتها؟

سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين منّا عند طرح موضوع انتقال كلية الحقوق من موقعها التاريخي العريق الى موقع الشدادية الحديث.

Ad

بدأت الحكاية عام 2004 عندما صدر الأمر السامي بإنشاء مدينة صباح السالم الجامعية بالمرسوم بقانون رقم 30/ 2004، وتم وضع حجر الأساس في 19 فبراير 2005.

وقد صدر القانون رقم 76/ 2009، ونص على الآتي: «تنتقل جامعة الكويت بكافة كلياتها ومراكزها وإداراتها والمباني والمرافق التابعة لها الى موقع المدينة الجامعية المنشأة بالقانون رقم 30/ 2004 المشار اليه، ويخصص الموقع لجامعة الكويت، ويكون مقرا رئيسيا لها».

وقد مر إنشاء المدينة الجامعية بمراحل مد وجزر، وتأخر إنشاؤها لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام.

وانتقلت بعض كليات جامعة الكويت تباعا الى المباني المُعدّة لها في المدينة الجامعية، وخصوصا أن جزءا من هذه الكليات كان موجودا في بعض المناطق السكنية، مثل كلية العلوم والهندسة على سبيل المثال، وقد قوبل هذا الانتقال بالترحيب لما فيه من خيارات أفضل لهذه الكليات.

ونتيجة لوجود هذا العدد الكبير من الطلبة والإداريين والفنيين، فقد انكشفت بعض الأمور المتعلقة بالجوانب العملية لهذا المشروع الضخم، ولعل أبرزها وأهمها الازدحام الشديد والمستمر نتيجة للتركّز المكاني والزماني لهذه التجمعات البشرية في زمن ومكان واحد، مع وجود قصور في قنوات وطرق المرور للانتقال داخل الحرم الجامعي، مما أدى الى تفاقم مشاكل الازدحام والانتظار الطويل للوصول الى بوابات الدخول والخروج.

مع الوضع في الاعتبار أن عدد الطلبة الكلي لم يكتمل، وهناك كليات لم تلتحق الى الآن بأخواتها مثل كليات الطب والعمارة، والعلوم الاجتماعية، والحقوق، والشريعة، وهذا يعني انضمام آلاف مؤلفة من أبنائنا الطلبة والطالبات الى الحرم الجديد، مما يفاقم المشكلة. وسأتكلم هنا بصفتي عضو هيئة تدريس في كلية الحقوق أمضيت ما يزيد على الثلاثين سنة في سلك التدريس وخدمة جامعة الكويت، وسأعرض لسلبيات هذا الانتقال من خلال النقاط التالية:

أولا- الموقع الحالي لكلية الحقوق موقع مثالي يلبّي حاجات ومستلزمات الكلية، فهي موجودة في صرح أكاديمي منذ ستينيات القرن الماضي، وأعد ليخدم مرفق التعليم بمراحله المختلفة، سعة مكانية وساحات خضراء لا تتوافر في أغلب جامعات العالم، وهذا يعني أن الانتقال سيكون من مكان ملائم ومناسب وذي سعة بمبانٍ متفرقة موزعة بشكل متناسق الى مكان خُصص لنا فيه مبنيان من خمسة أدوار، فنحن كمن سينتقل من بيت إلى شقة.

ثانيا - يحتوي هذان المبنيان على عدد من القاعات والمدرجات بأحجام مختلفة لا يتعدى عددها الـ 29 قاعة، إضافة الى المسرح، وهو أمر لا يغطي حاجة الكلية الحقيقية، لا الحالية ولا المستقبلية.

وقد وجهت كلية الحقوق كتابا للإدارة الجامعية المختصة لتوفير 11 قاعة دراسية بمواصفات معيّنة لتلبية الاحتياج الآني للكلية، وليتوافق ذلك مع العدد الموجود في مرفق الشويخ، فقامت الإدارة - بشكل عاجل - بتحويل بعض المختبرات الى قاعات دراسية تتسع لـ 30 أو 40 طالبا، وذلك من دون توفير التقنيات المطلوبة فيها، وهذا يتنافى مع استراتيجية جامعة الكويت وكلية الحقوق، ويُعد مخالفة لنص المادة 3 من قانون إنشاء الجامعات الحكومية، بند 3، و5، فنحن نعلم جميعا أن تجهيز المختبرات يختلف اختلافا كبيرا عن تجهيز القاعات، من دون الدخول في الأمور الفنية.

والقول باعتماد المسرح كقاعة دراسية يتعارض مع سياسة الجامعة والكلية، ويخرجه عن الهدف المخصص له، مما يترتب عليه حرمان أبنائنا الطلبة من أي نشاط ثقافي واجتماعي، ويخالف المادة 3 من قانون إنشاء الجامعات الحكومية، بند 7.

ثالثا - نظام كلية الحقوق نظام سنوي ذو خصوصية يعتمد على الاختبارات الموحدة ويمتد لمدة سنة دراسية، وهذا يعني وجود الفرق الدراسية بأكملها وبأعداد كبيرة في نفس الوقت وفي نفس المكان، مما يتطلب توفير قاعات كبيرة في مباني كلية الحقوق وبمواصفات معيّنة تختلف عن نظام المدرجات التي لا تصلح بأي حال من الأحوال كقاعات اختبارات، وهو أمر لم يتم توفيره، مما سيؤثر سلبا على سير المرفق التعليمي إن لم يوقف عمله.

رابعا - وجود مواقع إنشاءات لاستكمال مباني الكليات الأخرى قرب مبنى كلية الحقوق أثناء العام الدراسي سيؤثر على سلامة الطلبة والعملية التعليمية من جهة، ويشكّل عائقا في دخول الطلبة وخروجهم من جهة أخرى، وخصوصا مع إغلاق مدخل كلية الحقوق، وهو أمر تعلم به تماما الإدارة الجامعية.

خامسا - القول بضرورة الاستعجال بتسليم مرافق كلية الحقوق لإدارة الكلية ومستخدميها لبيان العيوب الخفية خلال سنتين من التسلّم، لارتباط الجامعة بعقد مع المقاول، أمر يتعارض مع الهدف الذي أنشئت من أجله جامعة الكويت والجامعات الحكومية بشكل عام (مادة 3 من قانون رقم 76/ 2019 في شأن الجامعات الحكومية).

فإذا كان من الواجب أن نختار بين المتطلبات البيروقراطية والالتزامات المالية وبين سلامة العملية التعليمية، فالأولى بالترجيح هو سلامة العملية التعليمية، وتحقيق الأهداف التي وردت في قانون إنشاء الجامعات الحكومية، فمن غير الملائم التعجل في نقل كلية الحقوق إذا كان هناك ضرر يلحق بالعملية التعليمية.

فموقف الإدارة الجامعية سليم تماما، ولا غبار عليه إذا تمسّكت بتطبيق قانونها والسعي دائما لتحقيق أهدافها، فالميزانية العامة للدولة ما هي إلا وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، ولا يتعارض هذا الأمر مع قيام ديوان المحاسبة بدوره الرقابي في حفظ الأموال العامة، فوفقا للمادة 9 من قانون إنشائه، التي تنص على أن يقوم بالتثبت من صحة الأسباب التي أدت الى عدم القيام بإنفاق كل أو بعض الاعتمادات المقررة في الميزانية للمشاريع الإنشائية، فالمادة المشار اليها لا تجعل التأخير بذاته مخالفة، إن كان التأخير قائما على أسباب موضوعية تحمله، فهو ليس مخالفة ما دام ديوان المحاسبة قد تفهّم الأسباب التي تبديها الإدارة.

والقانون يجعل مجلس الوزراء حكما حال عدم تفهّم ديوان المحاسبة لمبررات التأخير، والقانون في هذا الموضوع يقرر «وفي حالة وقع خلاف بين الديوان وإحدى الوزارات أو المصالح أو الإدارات أو المؤسسات أو الهيئات العامة بشأن الرقابة التي يمارسها الديوان، يعرض الأمر على مجلس الوزراء لبتّه، ويعمل بالقرار الذي يصدره هذا المجلس»، فمجلس الوزراء هو المهيمن على المصالح العمومية.

نحن اليوم أمام منعطف خطير قد نسلك فيه أحد طريقين، طريق يؤدي الى تنمية بشرية وتعليم سليم بعيد عن الحلول الترقيعية المؤقتة، وطريق يؤدي الى بيروقراطية مسيطرة تفقد العملية التعليمية قيمتها.

ومن غير الحصيف القول بالانتقال قبل جاهزية المباني لتحقيق الغرض الذي يفترض أنها وجدت لأجله، حتى لو بقيت كلية الحقوق في مكانها بالشويخ ولم تنتقل الى الشدادية، فليس هناك أي مخالفة أو مانع قانوني، مادام هناك اتفاق بين الجامعات المعنية، وموافقة من مجلس الجامعات الحكومية.

* أستاذة القانون المالي في كلية الحقوق جامعة الكويت د. فاطمة دشتي