هناك حالة - موجهة - وربما مبرمجة من البعض، الذي لا يمكن أن تجمعه صدفة، ولا حتى توارد خواطر، للقفز على الوقائع وتجاهل الحقائق بشأن الوضع القانوني والسياسي «للمتجنس وابنه»، للإيهام بأن منح المتجنس حق «الانتخاب» «والترشيح» كان خياراً للمجلس التأسيسي، وهذا مجافٍ للحقائق والوقائع.

1- فالواقع يقول إنه لم تكن فكرة إدخال «المتجنس» لهيئة الناخبين مقبولة منذ البداية لواضعي الدستور، ولذلك نص قانون الانتخاب- الذي أقره المجلس التأسيسي- على ذلك، فالأمر بالنسبة لهم لم يكن مبهماً أو ساقطاً سهواً، بل كان عن قصد وإرادة بشأن الوضع السياسي «للمتجنس»، وعدم قبول كونه ناخباً.

Ad

2- وقد نص قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 الصادر عن المجلس التأسيسي بجلسته رقم 29/ 62 بتاريخ 10/ 11/ 1962 في مادته (الأولى) على أن «لكل كويتي من الذكور بالغ من العُمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشر سنوات بعد العمل بالقانون 15 لسنة 1959 في شأن الجنسية الكويتية».

3- وعلى الرغم من أن المجلس التأسيسي ناقش هذه المادة، خصوصاً سن الانتخاب، للاختيار بين سن 18 سنة أو 21 سنة وانتهى للأخيرة، فإنه وافق بالإجماع على عدم منح المتجنس الانتخاب قبل مُضي 10 سنوات على تجنسه. فالمؤسسون كانوا على علم ودراية حينما ميَّزوا بين الكويتي المؤسس وأبنائه (المواطنين الأصليين) وبين الكويتي المتجنس وأبنائه.

4- ويظهر ذلك جلياً في تبني المجلس التأسيسي المادة 82 من الدستور، والتي قررت:

«يشترط في عضو مجلس الأمة:

أ- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية».

وتحديد صفة ووصف الكويتي بهذه المادة بـ «كويتي بصفة أصلية»، عبارة مختارة ومقصودة لتكون جامعة ومانعة، فهي تجمع كل من تتحقق به هذه الصفة من الكويتيين (المؤسسين وأبنائهم وإن نزلوا)، ومانعة من دخول غيرهم فيها، وهم (المتجنسون وأبناؤهم وإن نزلوا).

5- نص المادة 82 حاسم، فهو قطعي الورود بالدستور، وقطعي الدلالة في لفظه الجامع والمانع.

فالنص اختير بعناية وقصد، فهو ليس تزيّداً تشريعياً ولا لغواً دون غاية، ومن ثم فهو الحكم الحاسم بشأن من يرشح لعضوية مجلس الأمة، ولو أراد المجلس التأسيسي غير ذلك لما أعجزه النص على (أن يكون كويتي الجنسية) دون ذكر بصفة أصلية، وهذه حجة دامغة وحاسمة أن الوصف (كويتي الجنسية بصفة أصلية) الجامع والمانع مقصود بحكمه ودلالته.

6- ولا محل أمام صراحة نص المادة (82) قطعي الورود والدلالة والجامع والمانع، أن يذهب البعض للاستناد للمذكرة التفسيرية للدستور متى ما كانت مناقضة ومخالفة للنص الدستوري، كما قررته المحكمة الدستورية، ومن يلوذ بالمذكرة التفسيرية تاركاً صراحة النص الدستوري وقطعيته فمثله مثل مدعي حجب الغيوم للشمس الساطعة، فهذا جدل لا طائل منه، ولا يكسبه حجة، ولا يصلح دليلاً.

7- ومما يؤكد ذلك أن المذكرة التفسيرية قررت صراحة أن المتجنس لا يجوز له الترشيح لعضوية مجلس الأمة مهما مضى عليه من الزمن، وهي فقرة جازمة وقاطعة، وإيراد فقرات لاحقة فيها، سواء ما يوافقها أو ما يناقضها، إنما يبعث على الشك، ويزعزع سلامة التفسير وحجيته.

وأمام صراحة المادة (82) وقطعيتها، وهو أصل الحكم الدستوري، فلا محل للبحث بالتفسير المتوافق أو المناقض لذلك النص الصريح (82) الجامع المانع في معناه وغايته، فلا اجتهاد أمام صراحة النص.

8- إن خيار وقصد المجلس التأسيسي الجلي في نص المادة (82)، وهو ما استمر عليه رجال الكويت الأُول في مجلس 1971 ومجلس 1981، حيث حددت المدة اللازمة لصيرورة المتجنس ناخباً بعشرين سنة، ثم ثلاثين سنة، ما يدحض ويفند الادعاء بأن وجود فئتين من المواطنين أمر غير مقبول.

9- بل إن وجود فئتين من المواطنين أمر قائم ومستمر الوجود إلى اليوم، فلا يتمتع المتجنس بحق الانتخاب إلا بعد مُضي عشرين عاماً على تجنسه، فما حجب ومنع عن الأصل لا يمكن أن يغاير في حكمه فيما يسري على الفرع (ففاقد الشيء لا يعطيه)، فلا محل لمنح ابن المتجنس، الممنوع أبوه من الترشيح مهما مضى عليه من الزمن ولزوم مُضي 20 عاماً لصيرورته ناخباً، مركزاً قانونياً أفضل ومغايراً لما يتمتع به الأصل.

10- وأخيراً، فإن قرار غرفة المشورة بالمحكمة الدستورية بالطعن (11) لسنة 2024 قرر عدم قبول الطعن لشرط شكلي بعدم تحقق مصلحة شخصية (أي عدم وجود ضرر للطاعنين). فالمحكمة لم تبحث موضوع القانون، ومن ثم فالطعن عليه ممكن متى تحققت المصلحة.

خلافاً لما حاول أن يوهم به البعض بأن الموضوع انتهى وأغلق. فلا محل لتجاهل الحقائق والقفز على الوقائع.