تتعالى الأصوات إلى أن تبح، وتنعقد مؤتمرات ثم تنفض، وتجأر الحناجر بالشجب والاستنكار، وتثور وسائل التواصل، وتخرج المظاهرات في شتى بقاع الأرض، وآلة البطش الصهيونية الإجرامية كما هي دائرة لا تفرق بين شيخ وامرأة وطفل ومحارب، لا تعرف إلا العدوان تلو العدوان والإصرار على القتل بنهم غير مسبوق لسفك الدماء، على مرأى ومسمع من العالم الذي صدقنا يوماً أن فيه نظاماً عالمياً أممياً يحترم حقوق الإنسان، غير أن التجربة التي هي خير برهان شهدت سقوط تلك الأقنعة الزائفة ومزاعم الشرف التي كان يتشدق بها.

حملة القتل الممنهجة سائرة إلى غايتها دون ارتداع ودون أي حساب لعرب أو غير عرب، وكأن غليان الشعوب من حول نظام «الأبارتهايد» اللعين لم يعد يمثل له أي قلق، وكأنه أيقن أنه في مأمن من العقاب، في وقت تؤدي كل طرق الفلسطينيين إلى شيء واحد لا غيره، إلى تلك الشهادة المشرفة وسط تقاعس دولي غير مسبوق، حتى غدت مشاهد الأطفال تحت الأبنية المنهارة وبقايا هياكل أجسادهم التي أتت عليها النيران شبه يومية، وأمراً معتاداً بعدما أصيبت أدمغتنا وأعيننا بالتبلد حيال مشاهد تقشعر لها الأبدان وتنفطر لها الأفئدة.

Ad

لابد لتلك النيران الثائرة في أعماق كل من له ضمير إنساني أن تؤدي إلى شيء على أرض الواقع، أما الركون إلى القانون الدولي والكلام عن أهميته في نصرة الضعفاء وإرجاع الحق إليهم فهو كلام مستهلك لا طائل من ورائه، فإننا نعيش في زمن تسيدت فيه شريعة الغاب وتحكمت القوة الباطلة، وصارت حتى المؤسسات الكبيرة، تتكلم في الحق على استحياء وتستخدم أساليب المواربة.

هذا الجيش الجبان الفاشل الذي يحرق ويدمر ويقتل ويريد أن يغطي فشله في ساحات المعارك الحقيقية بأي انتصار على حساب المدنيين والنساء والأطفال، رغم ما يحظى به من وسائل الفتك والتدمير من قبل أقوى الدول وأعتى الديموقراطيات وأكبر المنادين بحقوق الإنسان.

ومن عجائب قدرة الله تعالى أن أولئك البواسل المقاومين في غزة إنما يحاربون على أرض الواقع، بمدد من الله وحده، أقوى آلة عسكرية في الشرق الأوسط، تدعمها أعتى قوة حربية في العالم، مع أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الفتك والدمار، ومع ذلك يبقون صامدين، رغم الحصار والجوع، ورغم التحالفات عليهم، ورغم المثبطات لهم، فلهم منا نحن الذين لا حيلة لنا إلا الدعاء لهم والكلام عنهم، تحية إعزاز وتقدير، على تلك الملاحم البطولية التي قرأنا عنها في بطون كتب التاريخ.

أما الكيان الصهيوني الذي نعتقد أنه متيقن كل اليقين من هزيمته في نهاية المطاف وإن طال المدى قليلاً، فنقول له: إذا كانت تلك العصبة القليلة من جنود أمتنا بلا عتاد وبلا مدد وبلا جيوش تؤازر، قد فعلت بك كل ما تفعله، فأبشر عما قريب عندما يصحو الضمير من سباته وتتحرر القلوب من خوفها، أبشر بزوال عاجل، وإن غداً لناظره قريب، فاللهم نصرك الذي وعدت.