تحث أوكرانيا حلفاءها على السماح لها بضرب الأراضي الروسية بأسلحتهم، وهو الخط الأحمر الأخير الذي قد يتجاوزه الغربيون، على غرار خطوط سابقة، لكنه يثير في المقابل انقساما يصب في مصلحة موسكو. وتسبب هذا الموضوع في انقسام عميق بين أنصار كييف، حتى أنه أدى أحياناً إلى تصريحات متناقضة للبلد نفسه.

وحذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من «عواقب خطيرة» إذا أعطت الدول الغربية موافقتها لأوكرانيا على استخدام أسلحتها لضرب الأراضي الروسية، في حين دعا نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السماح لكييف بـ «تحييد» القواعد الروسية التي تنطلق منها الصواريخ على أوكرانيا.

Ad

وفي حين جددت إدارة الرئس الأميركي جو بايدن التأكيد على معارضتها استخدام أسلحة الولايات المتحدة لضرب الأراضي الروسية، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «نلاحظ أنه لا يوجد إجماع حول هذه القضية في المعسكر الغربي». وانتقد «المتهورين في الغرب الذين يدلون بتصريحات استفزازية غير مسؤولة على الإطلاق» في مواجهة «أولئك الذين يتساءلون عما إذا كان من الضروري المضي في زيادة حدة التصعيد».

ويدفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) العواصم الغربية إلى رفع القيود التي «تكبل الأوكرانيين»، حسب ما قال أمينه العام ينس ستولتنبرغ.

لكن العواصم تبقى منقسمة، وأكثرها تحفظاً، روما وبرلين على وجه الخصوص، تحذر من خطر التصعيد وتوسيع رقعة النزاع، بالاضافة إلى احتمال لجوء الرئيس فلاديمير بوتين إلى استخدام السلاح النووي.

لكن المؤرخ العسكري ميشيل غويا رأى أن التاريخ لم يشهد أن أدت المساعدات العسكرية من قوة إلى أخرى إلى دخولها في النزاع.

كما سبق أن تم استخدام الأسلحة الغربية لاستهداف مقاطعات دونباس التي أعلنت روسيا ضمها وكذلك أراضي شبه جزيرة القرم. واتهمت موسكو أخيرا كييف بشن هجمات بقنابل هامر الفرنسية الموجهة وبصواريخ هارم الأميركية في منطقة بلغورود الروسية.

وأوضح الكولونيل الفرنسي السابق أن موسكو «أكدت أن شبه جزيرة القرم لا يمكن المساس بها. لقد ضربها الأوكرانيون بالأسلحة الأميركية ولم يحدث شيء».

والقضية بالنسبة لأوكرانيا جوهرية في ظل الهجوم الروسي الذي يهدد خاركيف، ثاني أكبر مدنها. وإذا كان لدى الجيش الأوكراني عدد أقل من الجنود والذخيرة من عدوه، فإنه يمكنه أن يصده بأسلحة حديثة تمنحه الدقة والمدى البعيد.

وأوضح الجنرال البريطاني المتقاعد جيمس إيفيرارد، النائب السابق للقائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، أن كييف «تشكو من أن محدودية الحلفاء تسهل قدرة روسيا على التمتع بامتياز استراتيجي وعملياتي وتكتيكي».

ويتم تنسيق الهجوم الروسي من الطرف الآخر للحدود. فموسكو تحرك قواتها وتمتلك منصات اطلاق صواريخ وتقلع طائراتها في ظروف أمنية تحسد عليها.

وأشار إيفان كليشتش، الباحث في المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، إلى أن كييف تستهدف منذ فترة طويلة المواقع الخلفية للجبهة، مضيفا أن الضربات «ضرورية لاستنزاف قوات العدو، وتعطيل الإمدادات والسلاسل اللوجستية واستخدام المدفعية المضادة وتشويش القيادة».

لكن السؤال الذي يطرح نفسه «هو ما إذا كان ينبغي أيضا تنفيذ هذه الضربات داخل روسيا»، بحسب الباحث. ومنذ بداية الحرب، لوحظ التردد الغربي فيما يتعلق بالصواريخ بعيدة المدى والدبابات الثقيلة والطائرات المقاتلة.

وفي كل مرة تطالب كييف بها، يبدي الغرب رفضه، وتشير أوكرانيا بأصابع الاتهام إلى قيادات معينة ينتهي بها الأمر إلى الخضوع. وفي غضون ذلك يكون الأوان قد فات. وأوضح غويا «بالنظر إلى الماضي، كنا نقول إنهم لو وافقوا من البداية، لكان الأمر أكثر جدوى»، مشيراً إلى أن «القانون الدولي يجيز للدولة التي تعرضت للهجوم ضرب الدولة المعتدية بشرط احترام القانون الإنساني».

وأعرب الجنرال إيفيرارد عن أسفه لأن الزعماء الغربيين «امتنعوا عن المخاطرة وتقيدوا ماليا وجنبوا انفسهم روسيا». وما يزيد الوضع تعقيداً هو أن حلف شمال الأطلسي لا يملك سلطة القرار بل كل دولة تتعامل بموجب الاتفاقيات الثنائية.

ويتعلق الملف التالي المطروح على الطاولة بإرسال جنود غربيين إلى أوكرانيا. وكسر ماكرون واحدا من المحرمات في وقت سابق من هذا الشهر عندما تحدث عن إمكانية إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا ولقي تأييداً في البداية قبل أن ينضم إليه حلفاء، التشيك وبولندا ودول البلطيق على وجه الخصوص.

وكشف منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس الأول أن الدول الأوروبية، التي دربت 50 ألف جندي أوكراني على اراضيها في إطار مهمة تشكلت عام 2022، منقسمة بشأن إرسال عسكريين إلى أوكرانيا.

ويرى بعض المراقبين أن المسألة لا تنحصر فيما إذا كان سيتم نشر جنود أوروبيين، بل موعد ذلك. ويرى كليشتش أن «خرق ماكرون للمحظورات أدى إلى إضعاف الردع الروسي»، مضيفاً أن «حلفاء كثراً يتحدثون الآن عن احتمال وجود شكل من الوجود البري» لتقديم مساعدة فنية أو للتدريب.

وإذا كان بعض الأوروبيين ينفرون من هذا الخيار، فإن العديد من المراقبين يؤيدون الحفاظ على الغموض الاستراتيجي الذي يتمثل في إخفاء ما نضمره عن العدو.