تقرير اقتصادي: كهرباء الكويت... بين ضغط الاستهلاك ومخاوف الاستدامة!
تجاهل التوسع العمراني والتغير المناخي واختلال التركيبة السكانية سيفضي لأوضاع صعبة
• تحديات الطاقة المستقبلية تتطلب اتخاذ سياسات غير معتادة مالياً وخدمياً وتكنولوجياً
• انقطاع الكهرباء قبل بدء موسم زيادة الأحمال الصيفي يعطي مؤشرات غير مبشّرة
بدا واضحاً خلال الاجتماع الموسع الذي عقده وزير الكهرباء والماء، د. محمود بوشهري، مع قياديي الوزارة أن الكويت ستشهد عاماً صعباً على صعيد توفير الطاقة الكهربائية ربما يكون بداية لسنوات لا تتوافر فيها الكهرباء بشكل سهل أو منتظم أو على الأقل بالطريقة الاعتيادية التي طالما توافرت فيها الطاقة الكهربائية لعقود ماضية.
وهذا التوقع ليس تشاؤماً، إذ إن حث الوزير للمستهلكين على ترشيد استهلاك الطاقة خلال موسم زيادة الأحمال الصيفي الممتد من 1 يونيو حتى 15 سبتمبر، وتحديداً خلال فترات الذروة التي تبدأ عادة من 11 صباحاً حتى 5 عصراً هو أمر يشير الى قرب ملامسة مستوى الخطر المتوقع منذ سنوات ماضية، بالتوازي مع تنامي الاستهلاك الناتج عن تشغيل بعض المناطق الجديدة وتوسعها العمراني، وتزايد الاختلال بالتركيبة السكانية وارتفاع درجات الحرارة، واعتبارات التغير المناخي، في ظل تصاعد كلفة دعم الطاقة في البلاد وعدم إنشاء محطات انتاج كهربائي جديدة حتى مع شراء الكويت لـ 500 ميغاوات من الكهرباء عبر هيئة الربط الخليجي من سلطنة عمان ودولة قطر.السياسات المنحرفة للعراق وفنزويلا قادتهما إلى أزمات طاقة دائمة رغم أنهما من أكبر منتجي النفط في العالم
إنفاق وإنشاء
فالكويت التي تنفق نحو ملياري دينار سنويا لشراء وقود انتاج طاقة الكهرباء والماء - دون المصروفات الإدارية - لم تنشئ أي محطة إنتاج كهربائي جديدة منذ نحو 20 عاما، وألغت في عام 2020 مشروع إنشاء محطة الدبدبة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية التي كان إنتاجها سيوفر 15 بالمئة من احتياجات القطاع النفطي من الطاقة الكهربائية، فضلاً عن أن مشروع الشقايا للطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية الذي يستهدف توفير 15 في المئة ايضا من احتياجات البلاد من الكهرباء بواقع 4500 ميغاوات لا ينتج حاليا سوى 70 ميغاوات بواقع 1.5 في المئة من المستهدف، فضلا عن تأخر طرح مشروعي الزور الشمالية 2 و3 لنحو 8 سنوات بسبب البيروقراطية الحكومية وتعثّر هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ معظم مشاريعها.
مؤشرات غير مبشرة
وتبدو بعض المؤشرات غير مبشرة حتى قبل بدء موسم زيادة الأحمال الصيفي، إذ خرجت منذ أيام محطة التحويل الرئيسية (مرقاب A) عن الخدمة، مما عطل الدوائر الحكومية في مجمع الوزارات والمناطق المحيطة في منطقتَي المرقاب والقبلة على أثر انقطاع التيار، وقبلها انقطاع التيار الكهربائي في نهاية شهر أبريل الماضي عن منطقتَي النزهة والمنصورية إثر انقطاع مغذيات محطة عبدالله السالم، بالتوازي، مع تسجيل مؤشر الأحمال الكهربائية في منتصف مايو الجاري - وهو مؤشر يفترض توافره يوميا لمزيد من التوعية - مستوى 13 ألف ميغاواط، علما بأن الطاقة الإنتاجية القصوى للبلاد توازي 18700 ميغاوات، مع الأخذ بعين الاعتبار توقف أعمال الجهاز المركزي للمناقصات العامة نتيجة تأخّر تشكيل مجلس إدارته منذ بداية العام الحالي والذي شُكّل قبل يومين فقط، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على العديد من عقود الصيانة وشراء القطع والمعدات.
مشكلة إلى أزمة
وثمة مؤشرات عديدة تنقل قضية الكهرباء من مشكلة الى أزمة، إلا أن المهم اليوم هو التعامل مع مسألة توفير الطاقة في البلاد بعين الاستدامة التي تتطلب اتخاذ سياسات مالية وخدمية وتكنولوجية غير معتادة لتجاوز التحديات المتصاعدة، لا سيما أن الكويت مقبلة على طلبات إسكانية وأوامر بناء لأكثر من 130 ألف وحدة سكنية عبر المدن الجديدة المدرجة على خطط المؤسسة العامة للرعاية السكنية، فضلاً عن التوسعات الصناعية والخدمية والتجارية، مما يجعل الحديث عن مضاعفة الإنتاج الكهربائي الى نحو 36 الف ميغاواط، اي ضعف الإنتاج الحالي لدولة الكويت خلال السنوات القادمة أمراً لا يعد من قبيل المبالغة، وهو خيار عالي الكلفة المالية والاقتصادية.
دعوم وبدائل وحوافز
فاليوم مع بلوغ كلفة دعوم الطاقة لما يعادل 8 بالمئة من مصروفات الميزانية يفترض استكمال برنامج تسعير الطاقة الكهربائية لعام 2016 الذي اقتصر على رفع أسعار مختلف القطاعات العقارية (الاستثماري والتجاري وغيرهما) دون السكني، ليشمل هذا الأخير مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأسر متوسطة الدخل فما دون، حيث يتم تسعير الكهرباء والماء وفقا لشرائح الاستهلاك بشكل تصاعدي بالتوازي مع إعادة النظر في نمط المنازل الموزعة للرعاية السكنية لتكون مساحة البناء فيها أصغر من الحالية، مع العمل بشكل جاد لتوفير بدائل الإنتاج التقليدية، كاللجوء بشكل جدي الى الطاقة المتجددة الموجودة نصاً في خطط ومشاريع الدولة دون تنفيذ حقيقي أو توجيه جزء من دعوم البناء نحو المواد التي تساعد في خفض استهلاك الطاقة أو تفعيل نظم الحوافز المشجعة لخفض الاستهلاك، والتي تعطي المستهلكين خيارات مالية أو عينية كلما استجابوا لمحفزات خفض الإنتاج ببرامج أشبه بالمكافأة.
العراق وفنزويلا
ربما يستنكر البعض فكرة أن تواجه دولة نفطية كالكويت مشكلة أو أزمة في توفير الطاقة الكهربائية، وهذا في حقيقة الأمر استنكار في غير محله، فأشهر دولتين تقطع فيهما الكهرباء فترات طويلة يوميا هما العراق وفنزويلا، وهما من أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن آثار الفساد والبيروقراطية وسوء الإدارة وإهمال البدائل التكنولوجية والسياسات الشعبوية جعلتهما أسوأ حالا من دول مستهلكة للنفط، وهذا ما على الكويت أن تتحاشاه إن كانت تريد بالفعل ألا يتدهور ضغط الاستهلاك إلى مخاوف تجاه الاستدامة.