سألت أحد الأصدقاء ذات مرة عن القدرة العجيبة عند بعض الكويتيين الذين استطاعوا أن يجمعوا عشرات الملايين، وأحياناً مئات الملايين من الدنانير في بضع سنين، مدعياً أنني، وحسب خبرتي المصرفية في إدارة القروض التجارية وتعاملي المباشر مع حسابات كبار تجار البلد، لم أجد تاجراً واحداً استطاع أن يجمع مثل هذه المبالغ الضخمة في عشر سنوات، فكيف استطاع هؤلاء أن يجمعوا مئات الملايين في أقل من هذه الفترة بكثير؟ وأضفت أن بعض هؤلاء «الأغنياء الجدد» أو محدثي النعمة، كان اسمه مدرجاً على قائمة طلبات البيوت الحكومية ويسكن في شقة بالإيجار، فكيف هطلت عليه أمطار الملايين هكذا فجأة، حتى امتلك القصور؟

وضربت له مثلاً بسيطاً قائلاً إنني أسكن في بيت ملك ولا أعاني من أقساط أو أي شكل من أشكال القروض، ولو كان راتبي الشهري 3 آلاف دينار، ولم أنفق منه فلساً واحداً لمدة 30 سنة متصلة، لكانت حصيلة جمع هذه الرواتب 1,080,000 دينار (مليون و80 ألف دينار فقط) فكيف استطاع نواب ووزراء وفاشينستات وأشخاص عاديون أن يجمعوا كل هذه الملايين خلال فترة وجيزة من الزمن؟ ولأن مثل هذه المعلومات معروفة بين عامة الناس في الكويت، أستغرب لماذا لم تقم أي جهة رقابية رسمية نحو طرح سؤال على هؤلاء الفاسدين: من أين لكم هذا؟ أو من أين لكم كل هذه القدرات الاستثمارية الخارقة التي مكنتكم من جمع هذه الملايين بسرعة البرق؟ ولماذا تتشاطر هذه الجهات الرقابية علينا فقط إذا ما أودعنا نقداً في البنوك أكثر من 5 آلاف دينار؟

Ad

أنا أؤمن بأن كل الحقائق كانت أحلاماً في يوم من الأيام، لأن حكومتنا درستنا في مدارسها كيف اكتشف علي بابا مغارة مليئة بكنوز من المجوهرات والذهب والفضة، وكيف استطاع علاء الدين أن يمسح الفانوس ليخرج منه المارد ويحقق له أحلامه، وكيف استطاع السندباد أن يعبر البحار والمحيطات والصحارى على بساط الريح، وكيف استطاعت طاقية الإخفاء أن تعيد للناس حقوقهم، ولكن كل هذا في الروايات الخرافية أو الخيالية، فلا يوجد في الواقع شيء من هذا القبيل لا مغارة علي بابا ولا الفانوس السحري ولا بساط الريح ولا طاقية الإخفاء، فكلها مجرد حكايات خيالية لذر الرماد في عيون البسطاء «اللي على حلاتنا»، الذين يهيمون عشقاً في المدينة الفاضلة، من أجل أن يتركوا «القرعة ترعى» في حلال البشر ولـ«يعشي العيار عياله» من فرصة تلقفها باللهف والنهب والسلب في غياب الرقابة، هذا إن لم تكن الرقابة مغيبة.

الأديب الإنكليزي المعروف وليام شكسبير نشر عام 1600 مسرحيته الشهيرة (حلم ليلة منتصف الصيف) حقق فيها لأجسام البغال أحلام العصافير عندما ركز على فكرة عالم الخيال الذي أراد أن يوازي به عالم الواقع، حيث الغابة كمكان للانسلاخ بدون رقابة أو سلطة، وحيث حصل الحالمون على أسباب التلاعب بما يشاؤون، «ليؤدي هذا العالم الخيالي دوراً هاماً في إظهار شخصيات رفضت الموافقة على نظام قائم كان يحدد أسس حياتهم».

لهذا حلمت، مجرد حلم بأن جهات عليا محلية حجزت 3 فنادق كبيرة تمهيداً لاستدعاء متنفذين من شيوخ ووزراء ونواب ومن لف لفهم من الذين استغنوا في غفلة من الزمن، للتحقيق معهم حول فسادهم وإفسادهم الأجواء الكويتية، من أجل استرجاع جميع الأموال التي تم اختلاسها أثناء توليهم مناصبهم، ومحاكمتهم وتغريمهم ومن ثم إلقاؤهم بالسجن إذا ما ثبتت عليهم التهم. كما حلمت بأن الجهات الأمنية قامت بحصر ما يزيد على 5 آلاف ملف جنسية مزورة للتحقيق فيها من أجل تنظيف البلد من المزورين ومن مزدوجي «الولاء»، فهل تتحقق أحلامي على أرض الواقع، كي يوافق الواقع مع ما كانت الحكومة تدرسنا في مدارسها، وليعود الزمن الجميل؟