يفترض هذه الأيام أن يكون الشاغل الأساسي للشعب هو تزويد الحكومة بمشاريع التطوير في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية عبر شبكة علاقات أشبه (بالكول سنتر) تجمع المفكرين ومنظمات المجتمع المدني وكل النشطاء، وأرباب المصالح من أصحاب الشركات والتجار، وبيوت الخبرة وشركات الإدارة من الداخل والخارج.

نعم لا بد أن تنصهر كل هذه الفعاليات في عصف ذهني منظم يسفر عن ترشيح، وبالتالي التوجه التنفيذي لأفضل وأجدى الخيارات وأكثرها تطابقا مع أحدث المستجدات وأفضل التجارب، على أن تأتي الخيارات وفقا لسلَّم أولويات يضع البلاد على السكة الطبيعية للتطور الحضاري والمدني، بعد الانسلاخ من حالة الدولة الريعية التي تعتاش على مادة طبيعية ناضبة هي النفط، فيتم توزيع الإيرادات النفطية على شكل رواتب وأجور ودعوم لجموع من الموظفين في وزارات خدمية تسكنها بطالة مقنعة تبلغ 80% أحيانا.

Ad

لذلك أولوية الأولويات تفكيك هذه الوضعية الشاذة المهلكة للموارد المادية والقاصمة للموارد البشرية، والمولدة بطبيعة الحال لتركيبة سكانية شاذة خطرة، حيث تفوق العمالة الأجنبية العمالة الوطنية بمقدار الضعفين تقريبا، ومصدر الشذوذ ليس في ضخامة عدد الأجانب الذي وصل الى نسبة 69% بل في تركز العمالة الهامشية التي لا تخلق قيمة مضافة، وما يزيد في مضاعفتها وجود البطالة المقنعة الرابضة في القطاع العام الحكومي التي أدت إلى نكوص العمالة الوطنية عن العمل بالقطاع الخاص الأهلي، لإصرار الدولة على إدارة القطاع الإنتاجي الضخم برواتب وميزات تفوق القطاع الخاص، هذا القطاع الذي يهضم العمالة الوطنية لا بد من تفكيكه وتخلي الدولة عنه للقطاع الخاص في عملية خصخصة رشيدة وعادلة، وفي ظل عملية تكويت للقطاع الخاص ذكرنا تفاصيلها في مقالاتنا السابقة مع استصحاب الدولة زيادة رفاهية المواطنين ما أمكنها ذلك بتقديم الدعوم والهبات.

فخلصنا إلى أن المواطن إذا حصل على دعم العمالة والدعم النقدي لمواجهة ارتفاع الأسعار والحصول على احتياجاته المعيشية الأساسية، وتوصلنا إلى أن راتب موظف متزوج وله 3 أبناء، يملك شهادة متوسطة وفي وظيفة بسيطة راتبها 350 دينارا يكون إجمالي راتبه ومستحقاته من الدعوم 1780 دينارا شهريا، مع الإبقاء على هبة وقرض الزواج ودعم الحصول على السكن، كما فصلناه في مقالنا السابق الذي يخلص الى الحصول الفوري على السكن بقسط شهري يبلغ 190 دينارا، كما ذكرنا وجوب تطوير التعليم عبر الخصخصة واحتذاء النموذج الفلندي وتقديم الدولة رسوم الدراسة بدعم ألفي دينار لرياض الأطفال و4 آلاف دينار للمراحل الأخرى، وأخيرا تقديم الدولة تأمينا صحيا بقيمة 1200 دينار.

كل ما سبق إذا حصل سيؤدي إلى وفورات في الموازنة العامة لا تقل عن 9 مليارات، وهنا تتفرغ الدولة بعد إلقاء ثقل إدارة القطاع الإنتاجي عن كاهلها، فمثلا وزير الصحة يدير وزارته من خلال 7 آلاف موظف بدل 60 ألف موظف ولا يحمل على كاهله مستشفيات بالعشرات ومراكز صحية بالمئات، بل سيكون مسؤولا عن إدارات تقييمية ورقابية وتخطيطية وقانونية رشيقة، وقِسْ على ذلك بقية الوزارات.

هنا ستتفرغ الحكومة للتفكير في خلق بنية اقتصادية بديلة للنفط ومعالجة الخلل الهيكلي المزمن والمضر للاقتصاد بخلق مصادر بديلة للنفط، وهنا يأتي دور استغلال الإمكانات والموارد سواء لإنشاء الصناعات النفطية بدل تصدير النفط في شكل مواد خام ومضاعفة الأرباح واستغلال الموارد البحرية والموقع الجغرافي، وهنا يتم تحريك خيار ميناء مبارك ومشروع طريق الحرير والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة والمشروعات السياحية عبر استغلال الجزر وعلى رأسها فيلكا، واقترحنا أن تكون على نمط سانترينو اليونانية مع احتضان أضخم مدينة ألعاب في الشرق الأوسط واستغلال الساحل الكويتي الذي يبلغ طوله 325 كيلو مترا لإقامة المدن السكنية المتطورة في شكل مجمعات تحتوي شققا، وتكون المدن أشبه بالمنتجعات لإسكان المواطنين، وتحويل الساحل إلى محضن للمشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في شكل مدن ألعاب وأماكن ترفيه ومطاعم ومقاه وفنادق.

أخيراً في هذا الجو ستنفسح مساحة هائلة لاستعادة الكويت نشاطها الثقافي والرياضي والفني المتميز فهل نتحرك؟