العصبة وجماعة التعطيل وبيئة العمل
عصبة الرجل في اللغة: بنوه وقرابته لأبيه أو قومه الذين يتعصبون له وينصرونه، واصطلاحاً: هي عدد من المواطنين يجمعهم نبض موحد أو هوى مشترك أو مصلحة واحدة، والعصبة في القرآن: «إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» (يوسف8).
لقد تناولت في مقالة سابقة صفات المدير والقائد الناجح، وفي هذه المقالة سأتطرق إلى جماعة العمل الذين تتم إدارتهم أو النجاح في قيادتهم بطريقة إبداعية وتوجد عقبات للوصول إلى ذلك، فلا شك أن فهم الآخر يحتاج إلى حنكة وخبرة وفهم لظروف كل شخص وسماته الشخصية كي يتم التعامل الصحيح وفق مرجعية كل شخص... فالعامل أو الموظف هو الذي يجب عليه أن يتغير وفق متطلبات مهنته وظروف عمله، ولكن قد يكون هناك عقبة كبيرة أمام المدير أو القائد إذا تصادف وجوده بجماعة عمل أو كتلة كبيرة تعوق تنفيذ القوانين واللوائح أو تفرض سياستها نتيجة قوتها الاجتماعية أو عصبتها التي أسميها الجماعة المعطلة أو المستفيدة من عدم التطوير، وهنا تكون المهمة صعبة وشاقة إما التنازل عن القانون واللوائح لصالح العصبة أو السيطرة من خلال تفكيك هذه العصبة والجماعات المعطلة للأهداف المفيدة للمصلحة العامة.
لم أجد أمثلة تعبر عن طرحي وهدف مقالي أفضل من موقفين ذُكرا في القرآن الكريم، الأول في سورة يوسف، حيث مارس الأبناء دور العصبة بحقد وحسد على أخيهم يوسف: «إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ»، فكانت المكيدة بدرجة نسيت معها الأخوة والدم الواحد وعميت البصيرة وغاب الضمير، فرموه في الجب دون رحمة أو شفقة، فما بالك ببيئة العمل التي تخلو من هذه الروابط؟ وما مصير المدير أو القائد الذي يعمل في بيئة تعصب أو جماعات معطلة أو فئات تتفق على تعطيل القوانين أو الخروج عن السياسات المرسومة من أجل نجاح العمل؟
الموقف الثاني مع طالوت، وكيف استكبر قومه أن يولى عليهم كما ورد في سورة البقرة، «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة247). ومن هذه الآية ينبغي أن يكون الملك أو القائد ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه، ثم قال: «والله يؤتي ملكه من يشاء» أي: هو الحاكم الذي ما شاء فعل ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون لعلمه (وحكمته) ورأفته بخلقه، ولهذا قال: «والله واسع عليم» أي هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه.
فلن تخلو بيئة عمل ولا مؤسسة من هذه النوعية من البشر التي تستكثر المراكز القيادية على قياداتهم أو تعطل العمل كي يسير وفق أجنداتهم أو طريقة عملهم غير المنتجة أو التي تسير العمل بناء على سلبياتهم في العمل أو اعتراضهم على التطوير والتغيير، لأن ذلك سيزعجهم أو يتطلب منهم مجهوداً أكبر، ولذلك مثل هذه الجمعات تفريقها وتدويرها هو الأفضل للمصلحة العامة.