من صيد الخاطر: «أَعْيَا من بَاقِلٍ»
«أَعْيَا من بَاقِلٍ»، مثل عربي قديم يُطلق على الأبله والغبي والبليد، فيُقال له إنك أغبى من «باقل»، ويُقال إن «باقل» شخصية حقيقية معروفة بالغباء، وقيل إنه لفرط بلادته لم يكن يستطيع أو لا يريد أن يتعب نفسه بتعلم أو فعل أي شيء، فهو لا يريد أن يُجهد نفسه. و«العي» لها معانٍ متعددة، فتُقال أيضاً للعاجز عن الكلام، أو العاجز عن الفهم، أو العاجز عن فعل أي شيء، فيُقال: عيّ الرجل عن الكلام، وعيّ الطفل عن فهم الدرس، وعيّ الولد عن المشي، وعيّ الشيخ عن الرؤية.
فـ «باقل» هذا عُرف بأنه أبلد العرب، ولابد أن تكون شخصيته استثنائية بلهاء، حتى تصبح مضرباً للأمثال، فقد وصلت البلاهة في «باقل» إلى حد أنه عجز حتى عن حفظ اسمه، وقيل إن أمه كانت تعلمه اسمه طوال النهار، وما إن يحل المساء حتى ينساه، فلجأت في النهاية إلى وضع قلادة في رقبته كُتب عليها اسمه.
وحصل يوماً أن اشترى «باقل» ظبياً بـ 11 درهماً، وقاده وهو مُمسك بحبلٍ ربطه في رقبته، ثم جلس على مصطبة أمام بيته، فمر به أحدهم، وسأله عن المبلغ الذي اشترى به هذا الظبي، فأراد «باقل» أن يقول له بـ 11 درهماً، فما كان منه إلا أن فتح أصابع يده ليبرز الخمسة، ووضع طرف الحبل بين أسنانه، وفتح أصابع يده الأخرى لتصير عشراً، ثم أخرج لسانه ليتم العدد 11، ففر منه الظبي إلى غير رجعة، وأصبح «باقل» المسكين مضرباً للأمثال، وباتت العرب عندما تريد وصم أحد بالغباء تقول له: إنك «أَعْيَا من بَاقِلٍ».
مسكين «باقل» هذا، فقد يكون العيّ هو أحد أشكال التوحد، لكن مَنْ كان في زمنه يعلم أو يعرف، أو يتفهم ويساعد هذه النوعية!
لكن هناك مَنْ يعيش بيننا ومع أنهم ليسوا مصابين بالتوحد، إلا أنهم «أَعْيَا من بَاقِلٍ»، وقد تسببوا فعلاً في تخلف البلد، بسبب بلاهتهم، بعد أن عجزوا عن تطوير أنفسهم لضحالة علمهم، وما أكثر مَنْ كانوا بليدين في أداء وظائفهم ومسؤولياتهم التي أُوكلت إليهم من دون وجه حق.