إدانة ترامب تعمّق الأزمة الداخلية لأميركا
رغم أن الإدانة الجنائية في نيويورك للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تظهر أنه «لا أحد فوق القانون» بالولايات المتحدة، فإنها قد تعمق الأزمة في الداخل الأميركي، وفق ما ذكره تحليل لمجلة فورين بوليسي.
وذكرت المجلة أن المحاكمة «التاريخية»، التي يخضع لها ترامب، تكشف نظرة منقسمة في الولايات المتحدة تجاه مجموعة الحقائق، فيما يراقب العالم «بذهول مروع»، القوة العظمى «وهي تنقلب على نفسها».
وشبه التحليل ما قد يحدث في أميركا بـ»حرب غير أهلية»، فيما يصف ترامب المحاكمة بـ»غير العادلة والزائفة»، بعدما أدانته هيئة المحلفين في المحكمة بـ34 تهمة في قضية تزوير سجلات محاسبية للتغطية على تسديد مبلغ قدره 130 ألف دولار لإسكات ممثلة الافلام الإباحية، ستورمي دانييلز، التي أقام معها علاقة جنسية، قبل انتخابات 2016.
واعتبرت الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، جو بايدن، أن هذا الحكم، وهو الأول من نوعه بحق رئيس أميركي، دليل على أنه «لا أحد فوق القانون»، فيما حاول ترامب تسخير الإدانة في صالحه، فكتب «إنني سجين سياسي».
بعد إدانة ترامب شعر الديمقراطيون بحالة من الارتياح، فيما تعهد الجمهوريون بالانتقام، ليؤكد المؤرخ في جامعة كولومبيا، تيموثي نفتالي، أن الولايات المتحدة دخلت في «منطقة سياسية وقانونية جديدة كأمة».
وحمل مرشح الحزب الجمهوري من ردهة «ترامب تاور» على قرار «غير عادل» ومحاكمة «زائفة» مؤكّداً «سنطعن في هذا الاحتيال»، ووجّه في خطاب غير مترابط استمرّ أكثر من ثلاثين دقيقة، انتقادات لاذعة إلى بايدن و»عصابته»، فنعتهم بـ»المرضى» و»الفاشيّين» محمّلا إيّاهم مسؤوليّة متاعبه القضائيّة.
في المقابل، قال بايدن، الذي سيواجه الرئيس السابق في انتخابات الخامس من نوفمبر، إن ترامب حصل على فرصة للدفاع عن نفسه في نفس النظام القضائي الذي ينطبق على جميع الأميركيين.
وأضاف بايدن (81 عاماً) في البيت الأبيض «من التهور والخطر وانعدام المسؤولية أن يقول أي شخص إن هذا الحكم تم تزويره لمجرد أنه لا يعجبه الحكم».
استطلاعات
تظهر استطلاعات الرأي أن السباق متقارب بين المرشحين، وعلى الرغم من كشف المحاكمة عن تفاصيل تتعلق بالجنس والمال والفضائح، فإنها لم تؤثر حتى الآن على استطلاعات الرأي، اذ بقيت نتائج ترامب وبايدن متقاربة، مع تقدم طفيف حتى للمرشح الجمهوري في بعض الولايات الرئيسية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته «رويترز» و»إبسوس» نشرت نتائجه، الجمعة، أن 10 في المئة من الناخبين الجمهوريين المسجلين يستبعدون التصويت لترامب بعد إدانته.
وجاء في الاستطلاع أن 56 في المئة من الناخبين الجمهوريين المسجلين قالوا إن القضية لن تؤثر على أصواتهم، بينما قال 35 في المئة إنهم سيدعمون على الأرجح ترامب، الذي قال إنه سيستأنف الحكم.
وقال 25 في المئة من الناخبين المستقلين إن إدانة ترامب جعلتهم يستبعدون التصويت لصالحه في نوفمبر، بينما قال 18 في المئة إنهم سيصوتون له على الأرجح.
وستصدر المحكمة حكمها في 11 يوليو، أي قبل أيام من انطلاق المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي، والذي من المتوقع أن يشهد الإعلان رسمياً عن ترشيح ترامب لخوض الانتخابات القادمة.
ولن تمنع عقوبة السجن ترامب من الاستمرار في حملته الانتخابية، أو تولي المنصب إذا فاز. وقالت حملة ترامب إنها جمعت 35 مليون دولار من صغار المانحين بعد الحكم، وهو ما يقرب من ضعف الرقم القياسي اليومي السابق. وقال العديد من المانحين الجمهوريين الرئيسيين إنهم سيواصلون التبرع لحملة ترامب على الرغم من الإدانة. ودعا بعض مؤيدي ترامب في منشورات على الإنترنت إلى ثورة وأعمال شغب ورد عنيف.
واستشهد تحليل فورين بوليسي بمقال للكاتبة في صحيفة وول ستريت جورنال، بيغي نونان، التي قالت إن «الشيء الجديد في الولايات المتحدة هو أننا بدأنا نستمتع بالكراهية، حيث كانت البلاد منقسمة منذ فترة طويلة، لكن القطيعة أصبحت أكثر جاذبية في عصر بايدن وترامب»، ونقلت عما قاله الإعلامي الساخر، بيل ماهر، أن أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة أصبحت «مناطق محظورة» للمؤيدين من كلا الحزبين، في إشارة إلى الانقسام والاستقطاب الذي تعيشه البلاد.
ومن المفارقات فيما يحصل أن كلا الجانبين السياسيين «يستشهدان بالدستور الأميركي» حيث يرغبان في حمايته بشدة، فالديمقراطيون يريدون محاسبة ترامب بموجب الدستور في المقابل يسعى ترامب وأنصاره لـ»القضاء على الاستقلال التقليدي لوزارة العدل»، ونشر «نظرية التنفيذي الأوحد» المثيرة للجدل في الدستور والتي بموجبها تمنح المادة الثانية للرئيس السلطة الكاملة على السلطة التنفيذية.
وتخوف التحليل من تأثير ما يحدث في المشهد الأميركي على المدى الطويل، إذ سيكون لوجهات النظر المختلفة بشكل صارخ لن يؤدي إلا إلى «زيادة الشكوك بين حلفاء الأمة، وطمأنة أعدائها».
وفي الخارج، أظهر بعض القادة دعمهم لترامب، مثل نائب رئيسة الوزراء الإيطالية اليميني المتطرف ماتيو سالفيني الذي ندد بـ «محاكمة سياسية».
من جهته، اعتبر الكرملين، أمس الجمعة، أن إدانة الرئيس الأميركي السابق غير المسبوقة تظهر أن البيت الأبيض «يقصي خصومه السياسيين».
ورد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على تصريحات المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال مؤتمر صحافي على هامش اجتماع لحلف شمال الأطلسي في براغ، قائلا: «أود أن أقول إن هذه حالة كلاسيكية من الإسقاط»، ويعني بذلك أن تلجأ جهة إلى اتهام الآخرين بفعل ما تقوم به هي نفسها.