ماكرون يحذر واشنطن من «تفتيت الغرب»
لم تخفِ حفاوة الاستقبال الذي لقيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يجري زيارة دولة لواشنطن، الخلافات العميقة بين البلدين الحليفين.
وقال ماكرون، أمس، إن الولايات المتحدة وأوروبا «ليستا على قدم المساواة» بسبب قانون خفض التضخم الذي يعطي الأولوية للمنتجات الأميركية المصنوعة محلياً.
وكان ماكرون حذر أمس الأول في غداء عمل مع أعضاء بـ «الكونغرس» من أنّ القانون الذي يقدم دعماً كبيراً بقيمة 430 مليار دولار للمنتجات الأميركية الصنع، ويهدف إلى معالجة أزمة المناخ، يهدّد «بتفتيت الغرب»، معبراً عن مخاوفه من «خطر» أن تذهب أوروبا عموماً وفرنسا تحديداً ضحية للتنافس التجاري الراهن بين واشنطن وبكين.
وشدّد الرئيس الفرنسي على أنّ «قضايا الطاقة وتكلفة حرب أوكرانيا ليست هي نفسها في أوروبا والولايات المتّحدة»، موضحاً أنّ تداعيات برنامج بايدن الذي يقدم مساعدات للشركات الأميركية ستكون كارثية على الاستثمارات في أوروبا.
زيارة ماكرون تزامنت مع المحادثات التي أجراها الرئيس الصيني شي جينبينغ مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أمس، في بكين.
وشدد الرئيس الصيني على أنه «لا توجد صراعات استراتيجية أساسية بين الصين وأوروبا»، وأنه ينبغي على الطرفين أن يعارضا معاً «تسييس التكنولوجيا والتجارة واستغلالها كأسلحة».
وأكد شي أن «الصين ستظل منفتحة على الشركات الأوروبية، وتأمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التوقف عن التدخل، بهدف توفير بيئة أعمال عادلة وشفافة للشركات الصينية، وأنه يجب أن تعمل الصين وأوروبا معاً لضمان استقرار سلسلة التوريد».
كما دعا الرئيس الصيني إلى تهدئة في أوكرانيا، في إشارة إلى أن بكين ربما تحاول معالجة واحدة من أكبر نقاط الخلاف مع أوروبا.
وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم ميشال أنه أخبر شي أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الصين «للمساهمة في إنهاء الدمار والاحتلال الوحشي الروسي»، مضيفاً أن الزعيمين «شددا على أن التهديدات النووية غير مسؤولة وخطيرة جداً».
وفي تفاصيل الخبر:
حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من واشنطن، أنّ برنامج الولايات المتحدة للاستثمارات والإعانات لمساعدة الشركات المحليّة يهدّد «بتفتيت الغرب»، مشدّداً على أن الولايات المتحدة وأوروبا «ليستا على قدم المساواة» بسبب الدعم الأميركي الذي تنص عليه خطة الرئيس جو بايدن حول المناخ التي تعطي الأولوية للمنتجات المصنوعة محلياً.
وفي كلمة ألقاها أمام الجالية الفرنسية في سفارة بلاده بواشنطن، قال الرئيس الفرنسي، إن التحالف مع الولايات المتحدة «أقوى من أي شيء آخر» لكنه حذّر من «خطر» أن تصبح أوروبا عموماً وفرنسا تحديداً ضحية للتنافس التجاري الراهن بين واشنطن وبكين، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وفي اليوم الأول من ثاني زيارة دولة يقوم بها إلى الولايات المتّحدة بعد تلك التي أجراها في 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أوضح الرئيس الفرنسي أنّه كان «مباشراً» وسمّى الأمور بأسمائها خلال غداء عمل مع أعضاء في الكونغرس.
وقال: «لقد أبلغتهم بصراحة وصداقة كبيرتين بأنّ ما حدث في الأشهر الأخيرة يمثّل تحدّياً لنا: الخيارات المتّخذة، لا سيّما قانون خفض التضخّم هي خيارات ستؤدّي إلى تفتيت الغرب».
وشدّد الرئيس الفرنسي على أنّ «قضايا الطاقة وتكلفة الحرب في أوكرانيا ليست هي نفسها في أوروبا والولايات المتّحدة».
وأوضح ماكرون «44 عاماً» أنّ تداعيات برنامج المعونات الحكومية للشركات في الولايات المتّحدة ستكون كارثية على الاستثمارات في أوروبا.
وقال إنّ هذا البرنامج «يخلق فروقات بين الولايات المتحدة وأوروبا إلى درجة أنّ أولئك الذين يعملون في العديد من الشركات سيقولون لأنفسهم سنتوقف عن القيام باستثمارات على الجانب الآخر من المحيط» الأطلسي.
وأكّد ماكرون أنّه ندّد خلال مأدبة غداء مع أعضاء كونغرس في كابيتول هيل، بالإجراءات «الشديدة العدوانية بالنسبة لشركاتنا» التي اتّخذها الرئيس الديموقراطي جو بايدن لتعزيز الصناعة الأميركية، داعياً إلى تنسيق اقتصادي أفضل بين ضفّتي المحيط الأطلسي.
ويشير حديث الرئيس الفرنسي إلى برنامج الدعم الهائل للانتقال في مجال الطاقة الذي وضعه بايدن ويُطلق عليه قانون خفض التضخم. ويشمل البرنامج منح إعانات سخية للسيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة المتجددة بشرط أن يتم تصنيعها على الأراضي الأميركية.
وأضاف ماكرون في اللقاء المكرس لمناقشة التغير المناخي: «ضعوا أنفسكم في مكاني، لم يتصل بي أحد عندما كان قانون خفض التضخم يُناقش»، طالباً «الاحترام كصديق جيد».
وتنظر فرنسا بقلق إلى الحمائية التجارية غير المقيدة التي يظهرها الرئيس الأميركي الديموقراطي.
ويعتزم بايدن خصوصاً تعزيز قطاع السيارات الكهربائية بهدف استحداث مزيد من الوظائف الصناعية وتحقيق الانتقال في مجال الطاقة وإحراز تقدّم في المنافسة التكنولوجية مع الصين.
وشدّد الرئيس الفرنسي على أنّ «هذه الخيارات لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان هناك تنسيق بيننا، إذا اتّخذنا القرارات سويّاً، إذا تناغمنا مجدّداً».
وذكّر الرئيس الفرنسي في كلمته بمتانة الصداقة التي تجمع بلاده بالولايات المتّحدة. وقال: «فلنحاول معاً أن نرتقي إلى مستوى ما نسجه التاريخ بيننا، إلى تحالف أقوى من كلّ شيء».
وأضاف أن زيارته الرسمية الثانية للولايات «تُظهر أيضاً قوة العلاقة بين الولايات المتّحدة وفرنسا».
وجرى استقبال ماكرون بكل مراسم زيارة الدولة مع إطلاق المدفعية وعزف النشيدين الوطنيين عند وصوله وعقد اجتماع في المكتب البيضاوي ثم عقد مؤتمر صحافي مشترك وتنظيم حفل عشاء رسمي.
وهو أول رئيس يخصه بايدن بمثل هذا الاستقبال منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة في يناير 2021. فالرئيس الديموقراطي الثمانيني يسعى، بعد تقلبات رئاسة دونالد ترامب، الى تقوية العلاقات مع الشركاء التقليديين للولايات المتحدة وبينهم «الحليف الأقدم»، وهي الصيغة التي تشير بها واشنطن الى فرنسا.
لكن مساعيه هذه لم تبدأ جيدا مع نظيره الفرنسي. ففي سبتمبر 2021، أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف عسكري ضخم جديد مع بريطانيا واستراليا «أوكوس»، ما أدى الى سحب عقد هائل من فرنسا لبيع غواصات إلى كانبيرا.
وأقر بايدن، بدون أي تراجع عن جوهر القرار، بحصول «رعونة»، ومنذ ذلك الحين يبذل أقصى الجهود لاسترضاء ماكرون، وهي عملية يقول محللون إنها تتوج بهذا الاستقبال الرسمي في واشنطن.
«دول مارقة»
إلى ذلك، زار الرئيس الفرنسي مقر إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وقال إن التعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا ضروري لمواجهة وجود «دول مارقة» في الفضاء.
وقال ماكرون إلى جانب نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، إن الفضاء يمثل «مكانا جديدا للصراع» وإن من المهم لفرنسا والولايات المتحدة العمل معا على وضع القواعد والأعراف لأنهما يشتركان في الالتزام بالعلوم والقيم الديمقراطية. وأضاف: «لدينا دول مارقة في الفضاء ولدينا هجمات هجينة جديدة».
وأعلنت هاريس وماكرون عن تعاون جديد بين الولايات المتحدة وفرنسا بشأن الفضاء خلال اجتماع في باريس قبل عام. وانضمت فرنسا إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى في استبعاد تجارب الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية بعد أن ضربت روسيا أحد أقمارها الصناعية في المدار العام الماضي، مما تسبب في حطام وأثار سخرية الولايات المتحدة وحلفائها.
تعزيز الاتصالات
في غضون ذلك، أبلغ الرئيس الصيني شي جينبينغ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، امس، بأن الصين ستواصل تعزيز الاتصالات الاستراتيجية والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي.
وذكر التلفزيون المركزي الصيني أن شي عبر لميشال خلال اجتماعهما في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة الصينية عن أمله في أن يكون لدى «مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تصورا موضوعيا وصحيحا عن الصين».
وأضاف شي: «ستظل الصين منفتحة على الشركات الأوروبية، وتأمل في أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التوقف عن التدخل، بهدف توفير بيئة أعمال عادلة وشفافة للشركات الصينية، وأنه يجب أن تعمل الصين وأوروبا معا لضمان استقرار سلسلة التوريد».
وقال شي إنه يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي تعزيز تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي والمزايا التكميلية، والعمل سويا لإطلاق محركات نمو جديدة وضمان سلامة واستقرار وموثوقية سلاسل التوريد الصناعية.
وتابع الرئيس الصيني أنه «ينبغي أن تعارض الصين وأوروبا معا تسييس التكنولوجيا والتجارة واستغلالها كأسلحة». وقال إنه «لا توجد صراعات استراتيجية أساسية بين الصين وأوروبا».
كما دعا الرئيس الصيني في محادثاته مع رئيس المجلس الأوروبي، إلى بذل الجهود لإضفاء الهدوء على الحرب في أوكرانيا، في إشارة إلى أن بكين ربما تحاول معالجة واحدة من أكبر نقاط الخلاف مع أوروبا. وقال شي إن «حل الأزمة الأوكرانية من خلال الوسائل السياسية يصب في مصلحة أوروبا والمصلحة المشتركة لجميع الدول في المنطقة الآسيوية الأوروبية، ومن الضروري تجنب تصعيد الأزمة واتساعها مع تعزيز محادثات السلام».
وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم ميشال أنه أخبر شي أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الصين «للمساهمة في إنهاء الدمار والاحتلال الوحشي الروسي». وأضاف البيان أن الزعيمين «شددا على أن التهديدات النووية غير مسؤولة وخطيرة جداً».
وتمتنع الصين عن انتقاد روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا، وتلقي اللوم على توسيع حلف شمال الأطلسي «الناتو» باعتباره السبب وراء تصرفات موسكو. ومع ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اجتماعه مع «شي» في سبتمبر الماضي إنه يتفهم «تساؤلات ومخاوف» بكين بشأن الغزو الروسي.