قراءة في «نوادر د. عبدالمغني» (1- 4)
يأخذ كتاب «نوادر مكتبة د.عادل عبدالمغني» بيدك في جولة تستغرق سنوات وعقوداً لظهور ونمو الكويت ومؤسساتها وثقافتها وإعلامها... في استعراض ثقافي يغطي كل المجالات، إنه الجزء الثاني من «كراس معرفي»، ورصد مفصل لمعظم الكتيبات والمجلات والمنشورات التي رافقت نمو واتساع الحياة الثقافية الكويتية في النصف الثاني من القرن العشرين قبل الاستقلال وبعده.
بدأ ولع المؤلف بنوادر الكتب بتأثير الجو المنزلي والعائلي وولع من حوله بالثقافة، ثم منذ أن وقع في يده كتاب «عبدالله خالد الحاتم» المشوق، «من هنا بدأت الكويت» الذي غير نظرته إلى كل ما حوله من أحداث ووقائع المجتمع الكويتي، وأبرز أهمية ما لم يكن يهتم به.
كان د.العبدالمغني في نحو العاشرة من عمره عام 1964، ولفت نظره كتاب سرعان ما اشتراه وصار يتصفحه ويطالعه سنوات وسنوات، يقول في مقدمة كتاب النوادر: «الكتاب الذي اشتريته شد انتباهي وبهرني عنوانه، فهو: (من هنا بدأت الكويت) لمؤلفه الأستاذ عبدالله خالد الحاتم، ولا أخفي سراً فقد كانت البداية الأولى هي تصفح الكتاب والاطلاع على الصور، وبعد سنوات قليلة بدأت بقراءة المواضيع، وفي كل مرة أشعر برغبة في القراءة مرة أخرى، وتولد بداخلي حب للتراث والتاريخ».
انتبه عادل مبكرا إلى نوعية الكتب التي يهواها، وطبيعة المكتبة التي ينبغي أن يركز عليها وتشكل مكتبته، يقول: «شعرت برغبة وميل شديدين للكتب والمؤلفات الكويتية من دون غيرها، وأصبح المجال واسعا أثناء الأسفار، ووجدت مؤلفات ومطبوعات قديمة ونادرة تحدثت عن الكويت».
ورغم أن الكتاب الحالي هو الجزء الثاني من سجل نوادر الكتب في مكتبته، فإنه سجل حافل كما ذكرنا بالكثير مما يتفاجأ به القارئ، ولا مجال للأسف لعرض الكثير مما يستحق الحديث.
1- يبدأ د.العبدالمغني حديثه بكتاب «رحلة كنز» 1818، ويقول «أثناء رحلة المؤلف عام 1814 مرورا بالعراق قابل القنصل البريطاني المعتمد في البصرة، وروى القنصل للمؤلف قصة عالم الكيمياء الكويتي الذي فر من (القرين) الكويت هاربا بجلده من بطش الأهالي لمقدرته العجيبة على تحويل المعادن الرخيصة الى ذهب خالص عن طريق التفاعلات الكيميائية، وكان أهالي القرين (الكويت) يعتقدون أن هذه التركيبات الكيميائية هي من أعمال الشعوذة والسحر».
ولا يذكر د.عادل إن كانت بعض المصادر الأخرى في الكويت قد أشارت إلى قصة «عالم الكيمياء الكويتي» هذا!
2- يتحدث كتاب «النوادر» عن إحدى أقدم رحلات الكويتيين إلى مصر، ربما قبل 1911، والتي زار خلالها جاسم بن محمد آل إبراهيم مصر، وبخاصة الأقصر وأسوان، وكتيب الصحافي عبدالمسيح الأنطاكي «سياحة أثرية» الذي يقع في 80 صفحة يصف هذه الزيارة.
3- كانت مجلة «الحرية» العراقية تصدر في بغداد برئاسة تحرير الصحافي العراقي المعروف رفائيل بطي، وقد نشر فيها المؤرخ عبدالعزيز الرشيد في ديسمبر 1924، أي ما قبل قرن كامل، مقالا بعنوان «ما قبل تأسيس الكويت» ومن محتويات كتاب «النوادر» كتيب من مؤلفات الرشيد الأخرى.
4- كان عام 1924 امتداداً لأعوام نمو الكويت وبعض مؤسساتها التعليمية كالمدرسة الأحمدية التي تم افتتاحها رسميا عام 1921، ويقول د.يعقوب الحجي كاتب سيرة عبدالعزيز الرشيد إن «الرشيد كان يدرس الفقه والنحو والصرف، غير أن ما أثار أوسع الجدل والاختلاف كان تدريس اللغة الإنكليزية في المدرسة، وكان يقوم به مدرس مصري اسمه عبدالحميد عبدالحليم، وكان خصوم التجديد كما هو معروف ضد تدرس اللغة الإنكليزية»، ولهذا يضيف د.الحجي لم تسلم الأحمدية من معارضة شيوخ الدين «حتى أنها وصفت المدرسة بالنصرانية».
كان مقال الرشيد في المجلة العراقية بعنوان «ما قبل تأسيس الكويت»، وكان الرشيد هو المتأثر بالحركة الإصلاحية العربية يتبنى بعض مواقف الشيخ رشيد رضا ومجلته الشهيرة «المنار»، وما لم يُسمح بنشره في الكويت آنذاك كان الرشيد ينشره في بغداد، ومنها كتيب يتحدث عنه كتاب د.عادل العبدالمغني بعنوان «محاورة إصلاحية»، وكان موضوع الكتاب يقول د.عادل العبدالمغني «برنامج احتفال مدرستي المباركية والأحمدية في نهاية العام، وفي ختام البرنامج عرضت مسرحية «محاورة إصلاحية»، كتب الرشيد النص ومثلها عدد من الطلبة وتعتبر أول مسرحية طلابية مدرسية في تاريخ البلاد». (ص20).
وكان المؤرخ الرشيد «إصلاحيا مستنيراً في تعلم اللغات الأجنبية، فكانت رسالته الإصلاحية تهدف الى الرد على الشيخ الذي أنكر على المتعلمين تعلم اللغات الأجنبية، وإن لم يذكر لنا الشيخ الرشيد شيئا عن الأثر الذي تركته هذه الرسالة في الكويت بعد طبعها». (د.الحجي ص101).
5- من نوادر المكتبة في اعتقادي وثيقة مهمة في تاريخ تعليم الفتيات في الكويت، وهي كتيب أو كتاب يقع في 80 صفحة بعنوان «موجز في الجغرافيا والتاريخ»، ويبدو أنه كتاب مدرسي مصري للسنة الرابعة بمدارس البنات النسوية اعتمدته دائرة معارف الكويت، وزارة التربية، آنذاك، ويقول كتاب «النوادر» عنه إنه «موجز في الجغرافيا والتاريخ للسنة الرابعة بمدارس البنات في الكويت». (ص31).
ولكن ما الذي يجعل هذا الموجز مناسبا للنساء أو خاصا للبنات في الكويت عام 1946؟
6- من نوادر الكتاب أحد أوائل الأعمال الأدبية بعنوان «آلام صديق» وصفها الكاتب «فرحان راشد الفرحان» عام 1948 بأنها قصة اجتماعية، ولا أعرف أين يضعها مؤرخو الأدب القصصي في الكويت في بدايات حركة النشر.
7- قد نتساءل أحيانا هل اهتمت التربية النظامية في الكويت بتدريس تاريخ الكويت كمادة دراسية؟ ومتى كان ذلك؟
في كتاب د.عادل العبدالمغني جواب موثق عن هذا السؤال، فمن نوادر مكتبته كتاب قررته «معارف حكومة الكويت» عام 1948 بعنوان «مختصر التاريخ الإسلامي» يقول د.عادل العبدالمغني «إنه يتضمن فصلا كاملا عن تاريخ الكويت»، ونحن بالفعل بحاجة الى الاهتمام بالكيفية التي درّسنا وندرّس، ومناهج التاريخ الكويتي، وما المفاهيم والمعلومات التي تريد ترسيخها في أذهان الطلبة، فالذي أشعر به أن الكثير من الغموض والانقسام يحيط ببعض جوانب هذا التاريخ ودلالاته، فهل ترى فئات المجتمع كلها تاريخ وحوادث الكويت من زاوية مشتركة؟ وهل لأساتذة التاريخ في الجامعة مثل هذه الرؤية المشتركة؟ لا أعتقد!
8- لا أعرف إن كان شيعة الكويت قد طبعوا أي كتيب أو عمل ثقافي قبل ما يورده د.عادل العبدالمغني في كتاب النوادر وعنوانه «موعظة الرجال وبلوغ الآمال»، ويقول د.عادل العبدالمغني إن الكتيب من تأليف «زين العابدين الحاج حسين قبازرد»، والصحيح كما نرى من الغلاف «زين العابدين ذي الرياستين ابن الحاج حسن باقر زاده الجَهرُمي الكويتي المولد والموطن عفا الله عنه، باهتمام ونفقة جناب عمدة التجار علي حسين قبازرد سَكِين الكويت»، بمعنى ساكن الكويت ولم أجد كلمة «سكين» بهذا المعنى في «المنجد» و«الوسيط»! وكتاب موعظة الرجال مطبوع في مطبعة «علم كهاري» في بمبي بالهند كما يبين د.عبدالمغني.
9- ومن كتيبات «النوادر» التي تلفت النظر كتاب صادر عام 1950، وهو عن هوية جمع الطوابع البريدية في الدول الخليجية آنذاك باللغة الإنكليزية من تأليف توم كنز (tom kins) ولا أدري إن كانت إيران والعراق ضمن هذه الدول.
10- ومن نوادر الكتاب مجلة «الفكاهة» التي أصدرها عبدالله خالد الحاتم، وكان رئيس تحريرها فرحان راشد الفرحان، وقد طبعت في الكويت ودمشق، وصدر العدد الأول في 12 أكتوبر 1950.
11- وفي سجل النوادر إشارة إلى مجلات أخرى أصدرها كل من أحمد العدواني كمجلة البعث 1950، ومجلة الكويت وكان صاحبها «يعقوب عبدالعزيز الرشيد» التي صدر منها ستة أعداد، ثم توقفت عن الصدور ومجلة المرقاب لعبدالحميد الحبشي، وكانت مجلة طلابية أصدرتها مدرسة المرقاب في 1/6/1953.
12- ومن مجلات كتاب النوادر عدد خاص من مجلة المصور المصرية، صدر في 21 مارس 1952 وعليها صورة الشيخ عبدالله السالم الصباح، وتحت الصورة كتبت «المصور» «أغنى رجل في العالم».
13- درس عبدالعزيز العلي المطوع القناعي على يد الشيخ عبدالعزيز الرشيد في المدرسة المباركية، ويقول د.يعقوب يوسف الحجي إن الطالب «عبدالعزيز علي المطوع كان أحد تلاميذ الشيخ عبدالعزيز الرشيد النابهين». (كتاب د.الحجي عن المؤرخ الرشيد ص93)، وقد قام عبدالعزيز العلي بدور أساسي في تكوين جماعة الإخوان في الكويت في أواخر أربعينيات القرن كما هو معروف.
وفي كتاب النوادر إشارة الى كتيب ذي دلالة للمؤلف عبدالعزيز العلي بعنوان «رسالة العرب الخالدة» في 23 صفحة صادرة عام 1952 موضوعها، يقول د.عادل العبدالمغني: «دور العرب في العقيدة الإسلامية». (النوادر ص49)، يقول المستشار عبدالله العقيل أحد الكتاب المؤرخين من الإخوان في الكويت في كتابه عن «أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة»، في ترجمته لحياة عبدالعزيز المطوع: «لقد سرني ما قرأته في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية سنة 1946م، حيث قام بالتبرع لمشروع الجريدة اليومية والمطبعة بمبلغ سخي وذلك أثناء زيارته لمصر والتقائه الإمام الشهيد حسن البنا الذي يكنّ له كل الحب والتقدير ويراه مثال المسلم الصادق والعالم العامل والداعية القدوة».
ويضيف العقيل «لقد صار الأخوان الشقيقان عبدالعزيز وعبدالله المطوع يتباريان ويتنافسان في عمل الخير ونصرة الإسلام والمسلمين دون كلل أو ملل». (من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، ط3,2006، ص379- 384).
وهكذا يمكن اعتبار العمل المشار إليه في كتاب النوادر «رسالة العرب الخالدة» لعبدالعزيز العلي أول أو أقدم عمل فكري منشور للإخوان المسلمين في الكويت.