«هل كيف» يصير غش بالتجارة؟ سؤال وجيه وجهه سعد لأخيه حسين، يرحمه الله، في مسلسل «درب الزلق»، التحفة الفنية التي لا تُمل، ولاتزال حيَّة في وجداننا، وعلى شاشات أجهزتنا، ومعظم القنوات الفضائية الناطقة بلغة الضاد، وبترجمات مختلفة أحياناً.

لنبدأ بأولى أدوات الاستفهام التي استخدمها مجتمعة، وهي هل؟ ونسأل: هل تُعامل الحكومة قطاعاتها بحزم، أم أنها تتبع سياسة آخر دلع مع بعضها؟ أم ستوقف معاملات قياداتها ومؤسساتها أيضاً، أسوة بالمواطن المتخلف عن السداد؟ لأننا أمام حقيقة مُرة، مفادها أن الهدر في الكهرباء والماء حكومي بامتياز.

Ad

أما كيف؟ فَخُذ مثلاً القطاع النفطي، مصدر الدخل شبه الأوحد لنا منذ اكتشافه، والله المستعان، القطاع المدلل الذي لا يُرد له طلب، يستخرج النفط بتكلفة قليلة نسبياً، بفضل من الله وحده، فيبيعه خاماً أو يبيع مشتقاته الناتجة عن عمليات التكرير في مصافينا بهامش ربح أكبر بكثير، لكنها أيضاً تلتهم جزءاً مهولاً من الكهرباء شبه المجانية، ومما تنتجه بالمحصلة من زيت الوقود والغاز وغيرها، ولا يهتم القطاع بما يكفي بتقنيات توفير الطاقة، لأنها ببساطة شبه مجانية، مقارنة بمتوسط التكلفة الحقيقي عالمياً، ثم يبيع مشتقاته بالسوق العالمية بالدولار، ولا يريد أن يدفع ديونه لخزينة الدولة، والتي تعدَّت ربما الربع مليار دينار حتى الآن! فهم يريدون تعرفة الـ 5 فلوس للكيلوواط من الكهرباء، بدلاً من 25 فلساً، وديناراً وربعاً للألف غالون إمبراطوري من الماء بدلاً من 4 دنانير، في مخالفة صارخة للقرار الوزاري رقم 2017/28 بشأن تحديد التعرفة وفق القانون 2016/16، الذي عرَّف القطاع الحكومي بأنه المباني أو المرافق العامة التابعة للوزارات أو الهيئات أو المؤسسات أو الشركات المملوكة بالكامل للحكومة، وهذه المعلومات من تقرير ديوان المحاسبة 2023-2022 يا سعد.

أليس من الأجدر أن تبدأ الحكومة بتنفيذ ما تريده، وتؤمن به على نفسها أولاً؟ بدءاً برفع الدعم بشكل كُلي عن جميع وزاراتها وهيئاتها، وترينا ترشيدها، حتى تكون مثالاً يُحتذى، أم أن خطوة كهذه ستكشف العورات والمستور، وأن الأرقام الحقيقية للهدر وفقاً للتقارير أكبر بكثير؟ وأن أرباح بعض مؤسسات الدلع ستكون أقل بكثير مما هي عليه الآن، بسبب الطاقة شبه المجانية الهائلة المُستخدمة؟ و«هل كيف» يتم تقييم القيادات وفق منهج الثواب والعقاب والإدارة بالأهداف وربط مستويات الإنتاج بمتوسط تكلفة الطاقة اللازمة للإنتاج عالمياً والقطاعات التي يرأسونها لاتزال مدينة للدولة حتى اللحظة بمئات الملايين من الدنانير؟

بل إن بعضهم يقاوم أي نوع من أنواع التغيير والتطوير أو تطبيق تقنيات توفير يحمل بعضها براءات اختراع، حتى لو جربوها وأثبتت فعلاً جدواها بالدلائل والقرائن والأرقام وبأطنان الكربون المحيّد، لأنها لن تفرق معهم أصلاً مع تسعيرة الطاقة الحالية «البلاش».

ثم ما القيمة المضافة المترتبة على وجودهم في مناصبهم، حتى يتحصَّلوا على مكافآت أكثر أو أقل؟ وهل هي قابلة للقياس؟ وهل تتناسب مع منجزاتهم، ومدى تحقيقها للأهداف المعلنة؟ ولماذا لا يحاسبون على الهدر، وهو بلا شك نوع من أنواع التعدي على المال العام؟ وأنا هنا أوجه تحية إكبار وتقدير لشاباتنا وشبابنا في هذا القطاع الحيوي ذي المخاطر العالية، الذين يقضون ساعات عملهم تحت الشمس بين المصافي وآبار النفط، مُعرِّضين حياتهم للخطر في أي لحظة، ولا أعمم، فبعض القيادات النفطية تحاول جاهدة للتطوير ولعمل شيء، لكنهم يسبحون عكس اتجاه تيار «تمام يا أفندم» وتيار «طمام المرحوم» وتيار الجمود والتخلف والخوف من الجديد والتطور، بحجة تطبيق القانون وحماية المال العام المهدر من قِبلهم أساساً، وبحجج أخرى معلبة قتلت مبادرات المبادرين، وما أكثرها.

وقَّعت الكويت على قرارات مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، لكننا أمام حقيقة مؤلمة، مفادها أن وزارة الكهرباء والماء ووزارة النفط تلتهمان تقريباً ثلثي ما تنتجان من طاقة، كبائع أدمن ما يبيع! وأن البصمة الكربونية للفرد في الكويت بلغت الثانية عالمياً بـ 21 طناً سنوياً كمتوسط، فضلاً عن مستويات تلوث الهواء الآخذة بالارتفاع.

ولا شك أننا نستطيع فعل الكثير وبسرعة لوقف الهدر والإسراف والتبذير، حتى لا نكون إخواناً للشياطين، معاذ الله، كربط المكافآت بالأداء العام لكل قطاعات الدولة، وإصدار قوانين تدعم تطبيق التقنيات الجديدة المجربة للتوفير والاستعانة بالذكاء الاصطناعي لإدارة الطاقة في جميع قطاعات ومرافق الدولة، أسوة بالدول الحصيفة التي لا تمشي في درب الزلق، ولا تعطي الخباز نصف خبزها، حتى لا ينتهي بها الحال للجلوس فوق التجوري اللي يَصْفر أو في قاع جليب، لا قدر الله... عرفت هل كيف الحين يا سعيدان؟