يعيش لبنان ضياعاً سياسياً، أو صراعاً على الهوية الدبلوماسية التي يريد أن يسلكها، إذ تزامن إفشال زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت التي ركزت على الملف الرئاسي، مع زيارة وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب الى باريس ولقائه نظيره الفرنسي ستيفان سيغورنيه، بمسعى للوصول الى تفاهم حول الورقة الفرنسية المعدّة لمعالجة الوضع في جنوب لبنان، علماً بأن حزب الله كان قد وضع ملاحظات كثيرة على تلك الورقة.

وفي مقابل هذا التنازع اللبناني حول دور باريس، هناك حالة انتظار لما ستقوم به الولايات المتحدة، لا سيما أنها معنيّة بوساطة عبر المبعوث الرئاسي آموس هوكشتاين للوصول الى اتفاق، حيث أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الأول، التزام بلاده بالعمل على إيجاد حل للحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

Ad

ولا يزال لبنان في حالة تجاذب مع نفسه حول ما إذا كان سيختار المسار الفرنسي أم الأميركي، لكن بالنسبة إلى فرنسا، يبدو أن المسار متعثّر أيضاً إسرائيلياً، خصوصاً أن «الخارجية» الفرنسية أعلنت، قبل أيام، أنها لم تتلقّ ردا من إسرائيل على الورقة الفرنسية. صحيح أنه تم إفشال باريس «رئاسياً»، ولكن، وفق مصادر، فإنه بناء على نصائح عديدة قرر لبنان أن يعيد استدراج الدور الفرنسي حدودياً، لمجموعة أسباب، أهمها أن فرنسا تمثّل صوتاً في مجلس الأمن، ويمكنها أن تتخذ مواقف مساندة للبنان، رغم الرهان على دور أميركا في إنجاز الاتفاق.

وما ترتكز عليه النصائح هو أن باريس يمكنها أن تكون عنصراً مسهّلاً ومتضامناً، ولعدم ترك الساحة أمام واشنطن التي يَعتبر رأي لبناني أنها غالباً ما تراعي المصالح الإسرائيلية. وفي هذا الإطار، شهد لبنان نقاشات تخللتها نصائح للمعنيين بضرورة استعادة الاهتمام الفرنسي حدودياً، خصوصاً أن باريس في مقترحها تشير الى استعادة تفاهم 1996، وهو التفاهم الذي شرعن عمل حزب الله المسلح تحت شعار المقاومة ووضع قواعد اشتباك. هذه النصائح تلقّفها حزب الله باعتبار أنه يريد المحافظة على شرعية عمله المسلح وقواعد الاشتباك.

في المقابل، ينتظر لبنان هوكشتاين، اذ إن القناعة اللبنانية لا تزال تعتبر أنه سيتوجه الى لبنان فور توقّف الحرب في غزة، لمباشرة المساعي وفق مقترح المراحل الثلاث الذي تقدّم به سابقا، والذي ينص أولا على عودة السكان الى منازلهم على ضفتَي الحدود، مع تعزيز قوة الجيش اللبناني، وثانياً تقديم حزمة اقتصادية للبنان، وتوقيع اتفاق يرسم نهائياً الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

كل ذلك يفيد بأن المساعي مجمدة بانتظار الحرب في غزة، في المقابل، فإن التصعيد يتواصل بين إسرائيل وحزب الله الذي أسقط أمس مسيّرة إسرائيلية من نوع هرمز 900 المتطورة، وقد يصل هذا التصعيد لمرحلة خطيرة، ولن يكون له قدرة على لجمه مستقبلا، لا سيما أن الإسرائيليين يضعون مهلة زمنية لإعادة سكانهم الى الشمال، وهنا تكشف معطيات دبلوماسية أن لبنان تلقى رسالة تهديد جديدة أخيراً مفادها أن إسرائيل لن تستجيب لكل الضغوط لوقف استهداف حزب الله ومواقعه، وفي حال عدم تقديم تنازلات جدية، فإن مسار الحرب سيطول لأشهر. جزء من هذه المعطيات والنقاشات ستناقشه السفيرة الأميركية ليزا جونسون في شهادتها أمام «الكونغرس»، وسيبحثه أيضاً قائد الجيش جوزيف عون الذي سيزور العاصمة الأميركية قريبا.