تجمعوا عند النقطة المحددة والوقت لا يزال أواخر الظهيرة، أتوا من مختلف البلدات والمدن في هذه الجزيرة الصغيرة التي توسعت وغيرت معالمها مع استمرار قضم البحر، كانوا نساء بأطيافهم كلها وأطفالا ورجالا وكبار سن وحتى مقعدين، حاولوا أن يلملموا أنفسهم وانتظروا بعض الشيء، وزعوا أعلام فلسطين بينهم واليافطات التي ترفض الإبادة والتطبيع وكل أشكال الاستعمار والهيمنة، فرشوا علماً كبيراً لفلسطين ليمتد فوق رؤوسهم وعلى امتداد المسيرة التي بدأت تتحرك رافعة كثيرا من الشعارات التي يرددها كثيرون من أهل البحرين أحيانا علنا على وسائل التواصل ومرات في جلساتهم وكثيرا في قلوبهم التي تتمزق وجعا على الإبادة الصهيونية لأهلنا في فلسطين إلا من بعض «المنافقين» أو المتصهينين فهم كثيراً ما يكونون جيرانا لنا أو حتى بعض ما كان يسمى «أصدقاء» حتى جرفهم الطوفان ولم يترك حتى أثرا لهم فوق تلك الصور بالأسود والأبيض!!!

تحت أشعة شمس ظهيرة الخليج التي حضرت مبكرا هذا العام، وهذه عبارة نرددها كل سنة «هذا الصيف بكر كثير»!! تحركوا معا رافعين الصوت عاليا حتى ذاك الطفل الذي حاول أن يتحرك سريعا ليتقدم وهو رافع علم فلسطين بيد وقبضته باليد الأخرى عندما يرددون «النصر للمقاومة والمجد للشهداء»... بقي الحماس في الهتاف ورفع الصوت تضامنا مع أهلنا في غزة بل في كل فلسطين والأراضي العربية التي تقف وحدها لمواجهة ذاك المشروع الصهيوأميركي القادم تارة بآلات الموت والإبادة ومرات بالوعيد والتهديد أو حتى التلميح إلى أنه ببعض «المرونة» بالإمكان أن تتحول غزة إلى قبلة سياحية بمنتجعات تشبه تلك التي يروج لها إعلامهم «العبرعربي»!!! يروجون لمشاريع يعرفون أن معظم إن لم يكن مجمل الجماهير العربية لا تصدقها حتى لو كتبت ونطقت باللغة العربية الفصحى، وضمت استشهادا ببعض من نصوص الكتب المقدسة.

Ad

طوفان أهل غزة كشف كل المستور والمعلن والموارب والمختفي بين الكلمات والأحرف أو المدسوس بينها، كل مشاريعهم سيجرفها بحر غزة كما فعل بذاك الميناء العائم الذي صوروه على انه «إنساني» ربما لأنهم لا يزالون ينظرون للعرب كلهم بل لكل من هم ليسوا «منهم» على أنهم سذج أو أغبياء أو حتى لا يقرؤوا كما قالت الشهيرة غولدا في مذكراتها التي نحن جميعا بحاجة لقراءتها مرة ومرات بل حفظها لنعرف أن أهل غزة هم من قرؤوا وفهموا واستوعبوا ثم خططوا وقاموا بطوفانهم الذي يجابه بأكثر المعدات «ذكاء» وفتك وإبادة، ولكنه لا يزال يبهر الأعداء أكثر من المقربين الجالسين في جحورهم يحسبون الحسبة لليوم الآخر، أي ما بعد الطوفان مدركين أنهم لن يكونوا من الناجين على سفينة نوح ولا حتى على ظهر موجة!!!

عادت صورتهم للمقدمة، هم رافعو الصوت عاليا حتى تسمع السماء السابعة وكأنهم يقولون لملائكة غزة نحن معكم بقلوبنا وهو أضعف الإيمان حتما لكننا في كل صباح ومساء لا نمل ولا نتعب من متابعة صوركم وأخباركم وصوت وجعكم يدوي في شوارعنا وأحيائنا بل في زوايا بيوتنا، ونذرف كثيرا من الدمع ونلملم كل ما نملك من قوة إيمانا بكم لنقول «إنكم لمنتصرون»، لأنكم على حق ولأنها أرضكم ولأنهم مغتصبون متعطشون للدم النقي دمكم الذي يسقي أرض فلسطين وكل شبر من الأرض العربية بل كل شبر من كل هذا الكون بكثير من القوة والحب والعزم كما يردد ذاك «النصر أو الاستشهاد».

كلما تعب أحدهم وهو أو هي يخطون خطواتهم في تلك المسيرة، قال تحرك بعضهم لبث العزيمة والإرداة «إنهم في غزة وفلسطين ولبنان وكل الأرض المنتفضة بالطوفان يقدمون حياتهم، بل كل ما بنوه بالحفر في الصخر»، فيدب النشاط مرة ومرات ويمضي الجمع في مسيرته، وكثيرون من المارين من بعيد ينظرون من خلف زجاج نوافذ عرباتهم ربما خجلا أو ربما خوفا أو ربما اعتزازا أو حتى يرفعوا راية النصر والدمع ملء العيون.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.