سنتعرض في هذا المقال لبعض الأسرار التي تكمن خلف التجديد أو عدم التجديد للقيادات الإدارية في الجهاز الحكومي، ففي البداية حدد مرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية (15/ 1979) منصب القيادات الإدارية بالوظائف من درجة وكيل الوزارة ووكيل مساعد بالوزارة، والدرجة الممتازة بالوزارات، وكذلك المديرون العامون ونوابهم في الهيئات والمؤسسات والجهات الحكومية ومن في حكمهم ممن يخضعون لأحكام نظام وقانون الخدمة المدنية.

ومن المتعارف عليه بشكل عام أن مدة شغل الوظيفة القيادية هي أربع سنوات تجدد في نهايتها لأربع سنوات أخرى، وقد اختلف في عدد المرات التي يتم فيها التجديد للقيادي لأسباب عديدة!! وقد حرص نظام وقانون الخدمة المدنية ومن خلال نظام توقيت وشغل الوظائف القيادية بأن تعرض حالات التجديد وعدم التجديد من الوزير المختص على مجلس الوزراء قبل 6 أشهر من انتهاء مدة البقاء في الوظيفة القيادية، حيث يجب إبلاغه من الوزير المختص بقرار مجلس الوزراء بشأن التجديد أو عدمه، وذلك قبل ثلاثة أشهر على الأقل من انتهاء مدة تعيينه في الوظيفة القيادية.

Ad

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتم التجديد لبعض القيادات الإدارية قبل عدة أشهر من تاريخ انتهاء المدة المقررة لشغل الوظيفة القيادية في حين لا يتم التجديد لبعض القيادات الإدارية بالرغم من مضي عدة أشهر على انتهاء فترة السنوات الأربع؟! الأسباب والمبررات عديدة، منها أن بعض القيادات الإدارية «المرضي عنها» من الوزير المختص يتم مخاطبة ديوان الخدمة المدنية للتجديد لها قبل انتهاء المدة بفترة كافية قبل العرض على مجلس الوزراء، كما يتم متابعة طلب التجديد مع مجلس الخدمة المدنية، وقبل ذلك مع العاملين بديوان الخدمة المدنية بصفته أمانة سر مجلس الخدمة المدنية التي تعرض عليه قبل رفعها لمجلس الوزراء لاتخاذ قرار التجديد. أما بعض القيادات الإدارية «غير المرضي عنها» أو التي لا تجد دعماً من الوزير المختص فإن النظر في طلب التجديد لها لا يحظى بأهمية أو أولوية لدى الوزير المختص، والمقصود بالقيادات الإدارية «المرضي عنها» يفسره البعض بأنهم القيادات المطيعة لأوامر الوزير المختص والتي تحظى بدعم من المتنفذين سواء في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو من القبيلة أو الطائفة أو الكتل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة! أما القيادات الإدارية «غير المرضي عنها» فأغلبها التي ليس لها دعم من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية وتقوم بواجباتها ومهامها الوظيفية بالأمانة والصدق ولا تبحث عن المجاملة أو رضا الوزير المختص!!

مع الأسف الشديد أن بعض الوزراء غير المؤهلين والمنتمين لبعض التوجهات السياسية والدينية والقبلية والعنصرية يتلذذ بممارسة ضغطه على بعض القيادات الإدارية التي لا تتفق مع توجهاته من خلال سلاح التجديد أو عدم التجديد!! أما البعض الآخر فيستغل هذا السلاح كورقة ضغط سواء على بعض أعضاء مجلس الأمة في قضية الاستجوابات الموجهة له أو لكسب تأييد بعض المتنفذين في الجهاز الحكومي أو بعض القوى المؤثرة في المجتمع.

إن عدم التجديد للقيادات الإدارية في الجهاز الحكومي في الوقت المناسب وممارسة هؤلاء القياديين لأعمالهم يعرضهم ويعرض الجهاز الحكومي للوقوع في بعض الإشكالات والقضايا القانونية التي لا تخدم المصلحة العامة، وتكون فرصة سانحة للمتربصين للشك في ذمة ونزاهة القيادي وسهولة الطعن في القرارات المتخذة في فترة عدم التجديد!!

إن الوظائف القيادية تشمل كذلك بعض وظائف العضوية في إدارة المجالس العليا والإدارات والهيئات والمؤسسات الحكومية التي يصدر بها مرسوم أميري أو قرار من مجلس الوزراء، ومن المواقف المحزنة أن يدخل أحد الوكلاء المساعدين الطامعين في الترقي لوظيفة وكيل الوزارة على مكتب وكيل الوزارة الذي خدم أكثر من 20 عاماً في الوظيفة القيادية والذي لم يبت الوزير المختص في قرار التجديد له ويقول له: «إنت متى راح تقتنع وتتقاعد ترى الوزير ما راح يجدد لك»!! إنها قمة الوقاحة من الوكيل المساعد وقمة الإهانة للوكيل بعد أن خدم البلد كل هذه السنين.

يا سادة إن التردد في اتخاذ القرار لا تقف آثاره السلبية على متخذ القرار ومن يقع عليهم القرار بالجهة الحكومية بل يمتد ذلك الى الجهات الحكومية والمصلحة العامة والمجتمع، والمطلوب من مجلس الخدمة المدنية ومجلس الوزراء الموقر المحافظة على كرامة القيادات الإدارية بالجهاز الحكومي، وعدم تركهم لقمة سائغة في فم الحاقدين والناقمين والفاسدين، فإما يتم التجديد لهم في الأوقات المحددة بنظام وقانون الخدمة المدنية، أو إعلامهم بعدم الرغبة بالتجديد، فهؤلاء القيادات لهم قدرهم ومكانتهم في المجتمع، ويجب ألا تكون عرضة للمتربصين والحاقدين والمتضررين من قراراتهم النزيهة. ودمتم سالمين.