يرثي كتاب جديد مثير للجدال من تأليف عالم النفس جوناثان هايدت «الجيل الجزوع»، فقد ارتفع عدد طلاب المدارس الثانوية المحرومين من النوم بنسبة 13% في الولايات المتحدة، والشباب لديهم بالفعل من الأسباب ما يبث في أنفسهم الذعر، وفي حين يلوم هايدت وسائط التواصل الاجتماعي، يجب أن يشعر أفراد الجيل Z (مواليد الفترة من 1997 إلى 2012) بالقلق أيضا إزاء مستويات الديون غير المسؤولة التي يُـلقي بها جيل طفرة المواليد، والجيل X (مواليد الفترة من 1965 إلى 1980) والجيل Y (جيل الألفية، أو مواليد الفترة من 1981 إلى 1996) على كواهلهم الهزيلة.
كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تسجل ديون الولايات المتحدة ارتفاعا سريعا لتتجاوز المستويات غير المسبوقة التي سجلتها إبان الحرب العالمية الثانية، وستلتهم مدفوعات الفائدة هذا العام 13.5% من الميزانية الفدرالية، أي بزيادة قدرها 2.6 ضعف عن مستواها عام 2021، ولا يعتقد نصف الشباب أنهم قد يتمكنون أبدا من شراء منزل، ومع ذلك سيُطلب منهم دفع ثمن إسراف أجدادهم، حتى في لحظتنا الحالية، تشير تقارير CNBC إلى أن ربع مواليد الجيل Z يقولون إنهم بحاجة إلى مُـعالِـج لإعانتهم على التغلب على الجزع الذي ينتابهم مع تقديم ملفات الضرائب.
قبل نحو عشرة أعوام- عندما كانت أسعار الفائدة متدنية للغاية- بدأ بعضنا يحث وزارة الخزانة الأميركية على تثبيت شروط الاقتراض المواتية هذه من خلال إصدار سندات فائقة الأجل مدتها مئة وخمسون عاما، كان هذا سيساعد في منع الإنفاق اليوم من إصابة أجيال المستقبل بالشلل، لكن وزارة الخزانة ظلت ملتزمة في الأغلب بالاقتراض القصير الأجل، حيث بلغ متوسط مدة السندات خمس سنوات فقط، ونتيجة لذلك، فإنها تعمل على ترحيل آجال استحقاق الديون بتكلفة أكبر. في مارس 2021، عندما كانت سندات الخزانة لا تزال تدر عائدا بنحو 1.5%، أوضحت وزيرة الخزانة جانيت يلين أن إدارة الرئيس جو بايدنلا تميل إلى تثبيت هذه الشروط للأجيال القادمة: «كانت الخزانة تنظر في هذه المسألة وليس لديها خطط حالية لتنفيذها»، ولا يملك المرء إلا أن يتساءل ما إذا كانت الإدارة «تنظر» في الأمر حقا أو أنها ألقت عليه مجرد نظرة ساخرة، ومنذ وقت صدور هذا البيان، تضاعفت أسعار الفائدة ثلاث مرات، الأمر الذي دفع مدير صناديق التحوط المخضرم ستانلي دروكنميلر إلى اعتبار قرار يلين «الخطأ الفادح الأكبر» على الإطلاق في تاريخ وزارة الخزانة، إنه شبح ألكسندر هاملتون يتجهم.
نحن نعلم جميعا الضرر الذي قد يُـحدِثه الاقتراض القصير الأجل، الآن، تعاني شركات عقارية تجارية عديدة- حيث تواجه إعادة تمويل القروض بأسعار فائدة أعلى بقيمة 2 تريليون دولار- لأنها كانت تحاكي قواعد اللعبة التي تمارسها وزارة الخزانة، وبطبيعة الحال كان بوسع أصحاب العقارات أن يفعلوا ما فعله مالكو أكبر فندق في سان فرانسيسكو، فندق هيلتون يونيون سكوير الذي يحتوي على 1900 غرفة: أن يرحلوا ببساطة عن مبانيهم الفارغة ويرسلوا المفاتيح بالبريد إلى صاحب الرهن العقاري.
لكن الحكومة الفدرالية لا تملك ترف مثل هذا الخيار، فهي ليس كمثل مالك عقار يستطيع أن يتهرب من التزامات قانونية وأخلاقية، والتي تشمل إرسال شيكات الضمان الاجتماعي إلى المواطنين من كبار السن وتزويد الأفراد العسكريين بالرعاية الصحية وأسلحة تطلق النار عند الضغط على الزناد، وبدلا من ذلك، سيكون لزاما على دافعي الضرائب مسح كل الحبر الأحمر الذي سكبته الحكومة الفدرالية.
لم يكن من المحتم أن يسير الأمر على هذا النحو، ففي حين تجاهلت الولايات المتحدة المناشدات بتثبيت معدلات الاقتراض المنخفضة، من الواضح أن دولا أخرى عديدة قرأت مذكراتنا، فقد أصدرت 14 دولة على الأقل- بما في ذلك النمسا وبلجيكا وأيرلندا- سندات فائقة الأجل، كما فعلت عشرات من الشركات الخاصة والجامعات، بما في ذلك ديزني، ونورفولك ساذرن، وكوكا كولا، وآي بي إم، وفورد، وفيدرال إكسبريس، وجامعة ييل، وجامعة بنسلفانيا، وجامعة ولاية أوهايو، وجامعة جنوب كاليفورنيا.
ويبدو الخطأ الذي ارتكبته وزارة الخزانة أشد سوءا عندما نضع في الحسبان أن منحنى العائد انقلب عدة مرات على مدار السنوات العشرين الأخيرة (بما في ذلك اليوم)، وهذا يعني أن الولايات المتحدة سنحت لها فرص عديدة للاقتراض بأسعار فائدة أقل على الديون الفائقة الأجل مقارنة بالسندات القصيرة الأجل، وكان تثبيت هذه الأسعار سيخلق مستوى من اليقين، في حين يخفف من تأثير الكوارث المالية في المستقبل. لكن الوقت لم يفت بعد، بل على العكس من ذلك، لا يزال بوسع وزارة الخزانة الاستفادة من السندات الفائقة الأجل، نحن نوصي بمراجعة خوارزمية تمويل الخزانة لتشمل أداة تصدر مثل هذه السندات تلقائيا كلما انقلب منحنى العائد، وإذا رغبت الوز ارة في تجاوز هذه الآلية، فيجب أن يكون وزير الخزانة ملزما بإثبات أنها لن تكون في مصلحة أجيال المستقبل. تشير دراسات تاريخية إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) كانت على مدار القرنين الأخيرين- منذ زمن هاميلتون تقريبا- تبلغ في المتوسط نحو 1.55%، أما اليوم، فهي تحوم حول 2%، كلما انخفضت العائدات الحقيقية إلى ما دون المتوسط التاريخي، ينبغي لوزارة الخزانة أن تطلق العنان للسندات الفائقة الأجل المعمول بها، ولا شك أن مشكلة الميزانية الجوهرية تتلخص في الإفراط في الإنفاق، ذات يوم قال الرئيس رونالد ريغان مازحا إن الحكومة أشبه بطفل: فهي تتمتع بشهية كبيرة من جهة، ولا تملك أي حس بالمسؤولية من جهة أخرى، وهذه المزحة تصدق اليوم كما كانت قبل نصف قرن من الزمن.
لا تستطيع أجيال المستقبل، سواء كانت جَـزِعـة أو غير ذلك، أن تدلي بصوتها الآن، ويتعين علينا أن نعكف على بناء آليات تمنح هذه الأجيال صوتا حقيقيا، الواقع أن إعلان استقلال الولايات المتحدة يَـعِـد بالحياة والحرية والسعي وراء السعادة، وقد يكون النوم الهانئ ليلا مفيدا.
* تود جي بوخهولز، المدير السابق للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج إتش دبليو بوش، والعضو المنتدب لصندوق التحوط Tiger Management، حاصل على جائزة ألين يونغ للتدريس في جامعة هارفارد، ومؤلف أفكار جديدة من الاقتصاديين الميتين، وثمن الازدهار، وجيمس كارتر، نائب وكيل وزارة العمل السابق في وزارة العمل الأميركية ونائب مساعد وزير الخارجية للسياسة الاقتصادية في وزارة الخزانة الأميركية.