بقايا خيال: الأمطار عندهم وعندنا!
في تركيا تهطل الأمطار على مدار العام بشكل يكاد يكون يومياً، فأحياناً تكون زخات من المطر، وأحياناً أخرى تهطل أمطار غزيرة لتجري سيولاً جارفة، وعلى الرغم من أن تركيا تتميز بالمرتفعات والمنخفضات والجبال والوديان، فإننا لم نسمع أن شوارع مدينة من المدن التركية قد اختفت ملامحها بسبب ارتفاع منسوب مياه الأمطار، ولم نقرأ عن قرى غرقت، ومعروف عن تركيا اخضرارها على مد البصر، وفي الخريف موسم هطول الأمطار الغزيرة، تشكل الأوراق المتساقطة من الأشجار تلالاً مرتفعة بإمكانها أن تغلق الطرقات، ورغم ذلك لا تسمع عن أن مجاري الصرف الصحي طفحت بسبب الأمطار، أو أن أنفاقاً اختفت تحت تجمعات الأمطار.
ورغم غزارة الأمطار واحتمال وقوع كوارث طبيعية، لا نسمع عن تشكيل لجان صيانة ولا فرق طوارئ كتلك التي لا تمل الحكومات الكويتية من صم آذاننا بها قبيل مواسم الأمطار، فنكتشف أن تكاليفها للتنفيع، وأفعالها عروض إعلامية وأحبار على ورق. فتركيا لا تعرف القبلية ولا الطائفية ولا الفئوية ولا التعيينات الباراشوتية ولا الواسطة ولا المحسوبية، وعندما تقع الكوارث بفعل فاعل، حينها لا يعرف الأتراك «يما ارحميني»، فهناك القانون الذي يطبق على الجميع، ولهذا تسير الحياة طبيعية وكأنه لا توجد أمطار أصلاً.
الأمطار في الكويت تسقط على (بعض) مناطق الكويت مرة واحدة في السنة أو مرتين، لكنها بكميات قليلة دائماً، ونادراً ما تنهمر على بعض المناطق السكنية، وقرب نهاية كل صيف تقوم بعض الجهات الحكومية وخصوصاً وزارة الأشغال وبلدية الكويت، بالإعلان عن تشكيل فرق صيانة لتنظيف المجاري وقنوات الصرف الصحي لتهيئتها استعداداً لاستقبال موسم الأمطار، وقد ترصد ملايين الدنانير لهذه المهمة وكأنها «مستحيلة»، ولهذا الغرض قد يتم استيراد أجهزة تكنولوجية بالغة الدقة لإنجاز هذه الأعمال، رغم أنهم اشتروا مثل هذه الأجهزة في السنة الماضية والتي قبلها أيضاً، ليتساءل الكويتيون الحقيقيون، لا المزورون والمزدوجون، عن أسباب هذه الصفقات الملايينية المبالغ فيها.
ولأنهم يعرفون أن فرق الصيانة «كلام فاضي»، فسرعان ما يشكلون لجان طوارئ وفرق إنقاذ لمتابعة المشاكل التي قد تنجم عن سيول الأمطار وإنقاذ الضحايا، وقد يتم الإعلان عن قائمة بتكاليف هذه اللجان والفرق، فكل شيء «بثمنه»، ويا ليت «ثمنه» حسب سعر السوق، لأنهم يتعاملون مع الحكومة تماماً كما تعامل علي بابا مع مغارة الحرامية، على الرغم من أن أعضاء هذه اللجان والفرق هم موظفون يعملون في مؤسسات الدولة لأداء أغراض لجان الصيانة نفسها ومهام فرق الطوارئ ذاتها، ويفترض أنه لا يحق لهم المطالبة بأي فلس إضافي، خصوصاً أن أعمالهم تتصل بمساعدة أهلهم وأقاربهم وجيرانهم وأحبابهم من باب الإنسانية.
وما إن تهطل الأمطار حتى تفيض المجاري والشوارع وتغرق السيارات والمارة فنتساءل: أين تلك اللجان والفرق؟ وعلى من أنفقت تلك الملايين؟ وفي أي «مجاري» صرفت؟ وعندما يغرق المواطنون بأمطار السيول وتتلف بيوتهم وسياراتهم، نتوقع أن توجد إحدى هذه اللجان والفرق لإنقاذهم «ولو بعد حين»، فتتصل بالطوارئ، وتعيد الاتصال مرات ومرات، ولكن لا حياة لمن تنادي. وتتساءل حينها: لماذا لا تحاسب الحكومة أعضاءها؟ فهل الحكومة «مطنشة»؟ أم أن أعضاءها لاهون؟ أم أنهم حكومة داخل حكومة؟