اتساع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل... تصعيد قبل التسوية؟
دخلت المواجهات العسكرية المفتوحة في جنوب لبنان بين حزب الله والجيش الإسرائيلي مرحلة جديدة يمكن وصفها بالمرحلة الثالثة بالمعنى العسكري.
وكانت المرحلة الأولى عبارة عن قصف إسرائيلي على مساحة بين 5 و7 كلم من الحدود، بينما اتسعت المرحلة الثانية لما بين 10 و15 كلم، أما في المرحلة الثالثة الحالية فقد أصبحت الضربات الإسرائيلية تشمل مختلف مناطق الجنوب حتى محيط صيدا وإقليم التفاح، علما أنه في المرحلتين السابقتين كانت إسرائيل توجه ضربات متقطعة في محيط صيدا وإقليم التفاح وليست ضربات مركزة وبشكل شبه يومي.
لهذا التصعيد الإسرائيلي مجموعة أهداف، بينها إلحاق أذى تدميري ببنية حزب الله العسكرية في مختلف مناطق الجنوب، واستهداف الكثير من المراكز أو مخازن الأسلحة وضرب وقطع طرق الإمداد، والهدف الآخر هو التأكيد الإسرائيلي على أن كل قواعد الاشتباك قد سقطت، وأن أي هدف مباح لها أينما كان على الأرض اللبنانية، وهذا يرتبط بحافز معنوي يسعى من خلاله الإسرائيليون إلى إثبات قوتهم وقدرتهم.
في المقابل، فإن حزب الله يطور في عملياته وتكتيكاته العسكرية، ويؤكد أنه لا يزال يعمل على الشريط الحدودي، وقادر على تنفيذ عمليات من مسافة قريبة جدا، وعلى إيصال الأسلحة والطائرات المسيرة إلى مسافة قريبة جداً من مواقع الإسرائيليين، ما يعني أن إسرائيل لم تنجح في قطع طرق إمداده أو اكتشافها.
في هذا السياق، تشير مصادر قريبة من الحزب إلى أنه لا يزال يمتلك الكثير من التكتيكات العسكرية القادر على استخدامها لمفاجأة الإسرائيليين ومباغتتهم، وهناك خطط موضوعة وجاهزة لتنفيذ عمليات تتضمن إما نصب كمائن لقوات إسرائيلية، أو محاصرتها بالنار، أو التسلل واقتحام مواقع، أو تنفيذ عمليات أسر، وتؤكد المعلومات القريبة من الحزب أن مثل هذه الخيارات جاهزة للتنفيذ، ولكنها تنتظر قراراً يحدده مسار المعركة، خصوصاً أن الانتقال إلى هذا النوع من العمليات يعني الانتقال الى مرحلة الحرب.
لكن مراقبة هذا المسار التصاعدي للعمليات، خصوصا بعد تكثيف حزب الله لعملياته، وتكثيف الغارات الإسرائيلية وتوسيع نطاقها، يطرح سؤالاً أساسياً: إذا كانت الأمور تتجه نحو الانفجار الكبير والدخول في حرب واسعة تشمل عمليات برية، أم أنه تصعيد يسبق إرساء اتفاق التهدئة في غزة، والذي سينسحب على لبنان؟
وتتضارب وجهات النظر السياسية والعسكرية للرد على هذا السؤال، إذ إن البعض يضع ما يجري في سياق التصعيد الذي يسبق التسوية، أي أنه تصعيد يستبق وقف إطلاق النار، وليس تصعيداً مرتبطاً بالدخول في مواجهة أوسع أو أكبر، خصوصاً بعد المبادرة التي تقدم بها الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي حظيت بالتفاف دولي حولها، فلا بد لها أن تؤسس لاتفاق ما لأنه لم يكن بايدن مضطرا لعقد مؤتمر صحافي وعرض تفاصيل المقترح لو لم يكن لديه الحد الأدنى من القدرة على إنجاح مبادرته. يرى الأميركيون أن نتنياهو استنفد كل عناصر الحرب والقوة والقتال، ووصل إلى عمق رفح بدون قدرته على تحقيق هدفه الأساسي، وهو الإفراج عن الرهائن أو اكتشاف أماكن احتجازهم، ولذلك فإنه بالمعنى العسكري فقد استنفدت كل الوسائل.
في المقابل، هناك وجهة نظر مناقضة لهذا التصور، ترى أن الهدف الأساسي لدى نتنياهو وغيره من الإسرائيليين هو الاستمرار في تدمير غزة، وسحق كل مقومات الحياة وصولا الى تهجير الفلسطينيين، وهذا قد يؤثر سلباً على فرص التوصل إلى الاتفاق، أو في حال أبرم اتفاق فإن إسرائيل ستعود الى الانقلاب عليه لمواصلة القتال، وهو ما يعني استمرار القتال طويلا في لبنان.
ويقول المتشائمون من فرص تحقيق التسوية، إن الوضع بين حزب الله وإسرائيل بلغ مراحل متقدمة من الصعوبة، خصوصا أن سكان المستوطنات الشمالية غير قادرين على العودة إلا إذا قدم حزب الله ضمانات تتطلب منه تنازلات كبيرة، وهذا لا يبدو متاحا حتى الآن. يضيف هؤلاء نقلا عن أجواء خارجية أن إسرائيل تتحضر لتصعيد المواجهة مع الحزب بعد الانتهاء من غزة، وأن أي اتفاق على وقف النار في غزة لن ينسحب على لبنان، لأن الإسرائيليين يصرون على تغيير الوقائع العسكرية على جبهتهم الشمالية.