دائما ما نقرأ أن من المظاهر الإيجابية للعصر الحالي، سهولة وسرعة وصول المعلومة، ولكن السؤال هل ما يصلنا بسهولة وسرعة هو الصحيح من المعلومات؟ وهل تصل إلينا في سياقها الصحيح أم بالمعنى الذي من المفترض أن تفهم فيه؟ ما دعاني إلى طرح مثل هذه التساؤلات هو حجم الأفكار الاقتصادية التي تتداول بشكل خاطئ فهما وتفسيرا وتوظيفا في الآونة الأخيرة. مما حفزني للكتابة عن الموضوع حتى لا تتوسع دائرة مثل هذه الأطروحات والأفكار غير الدقيقة من دون أي تفنيد، فجزء لا يتجزأ من دور أهل الاختصاص هو نقد الآراء غير الموافقة لصحيح العلم والمنطق، علما أن جميع الأبحاث العلمية تحمل بين طياتها نقدا علميا، بل إنها قائمة على «Critical Thinking» التفكير النقدي، لذلك فإن هذا نهج علمي سائد على صعيد الأبحاث فضلا عمن دونها.

وانطلاقا من هذه المقدمة، لابد من توضيح أن المؤشرات والمصطلحات الاقتصادية العامة، وهي محور موضوع هذه المقالة، إنما وضعت لإعطاء صورة عامة أولية عن أداء اقتصاد معين لدولة ما وفقا لافتراضات أو اشتراطات معينة. بمعنى آخر، هي لا تخبرك كل شيء عن الاقتصاد، ولذلك تكمن الإشكالية المراد تناولها هنا في أن الانسياق وراء مصطلحات عامة مبنية على «فرضيات» قد لا تكون متحققة، أصبح ظاهرة لافتة حتى من بعض من يفترض بهم الاختصاص. لذلك سوف نستعرض في هذه المقالة بعض الأفكار والمؤشرات الشائع استخدامها بشكل خاطئ سواء عمدا أو جهلا.

Ad

أول هذه الأخطاء، افتراض أن النمو في الناتج المحلي دليل محض على متانة اقتصاد الدولة وتنوعه، وعلى أنه بالتالي سوف ينعكس على مستوى دخل أعلى للفرد في تجاهل صريح إلى أنه استنتاج سطحي، وأن النمو قد يعكس اختلالات عدة، وأن آلية احتساب دخل الفرد مبنية على افتراض وجود مستوى مرتفع من قيم «العدالة والمساواة».

أما ثانيها فهو افتراض أن الدول النامية كافة يمكن وضعها في خانة واحدة، وهذا لا شك جهل عميق بالاختلافات المتعددة فيما بين الدول النامية من عدة أوجه وأشكال، فيتم الاستدلال على تجربة دولة نامية معينة في مجال معين من أجل تدعيم وجهة نظر معينة دون النظر في الاعتبارات الأخرى بشكل علمي وموضوعي.

كذلك من الأفكار الخاطئة، تأييد قرارات صادرة من «جهات غير مختصة» بمبرر الهدف الذي تسعى لتحقيقه وليس وفقا لاحترام أدوار كل جهة ومسؤولياتها. ومن أمثلة ذلك، تأييد خبر صدر حديثا عن نية الهيئة العامة للاستثمار ضخ 100 مليون دينار في البورصة على شكل استثمارات من خلال شركات مختصة من أجل «رفع جاذبية السوق ودعمه»، علما أن هذا دور هيئة أسواق المال وشركة بورصة الكويت.

أيضا وفي نفس السياق العام، نلاحظ أن البعض لا يفرق بين المبدأ والآلية فتجده يعترض على المبدأ الثابت والمستقر علميا مستندا إلى آلية معينة، وهذا خطأ جسيم، فتجده مثلا يعترض على مبدأ حرية الأسواق، أحد أهم مظاهر الاقتصاد المتقدم، ويطالب بوضع قيود معينة استنادا إلى ادعاء بأن دول المنطقة تتبع آلية تمييزية لمنتجاتها، علما أن تلك المنتجات المحلية تختص في قطاع يحصل على دعم لا محدود من الدولة منذ سنوات ولم يقدم أي مساهمة اقتصادية فعالة.

الجدير بالذكر أن أحد أهم التحديات الرئيسية التي تعاني منها الدول النامية هو مستوى الشفافية والإفصاح، ونعني به نشر وتوضيح البيانات الاقتصادية و«تفسيرها بالشكل الصحيح وفي مقارنات قائمة على أسس علمية دقيقة ومعتبرة». كذلك من التحديات، وجود جهات فنية مستقلة ومعتبرة تقوم بتحليل وتقييم الأوضاع الاقتصادية بكل جوانبها من دون أي تحيز أو مؤثرات خارجية كعقود استشارية تربطها بتلك الجهات التي تبدي رأيا فيها، إضافة الى ذلك من الأهمية بمكان وجود وسائل توعية عامة سواء من أفراد أو منظمات.

ختاما، نوضح أن جميع ما سبق من أفكار تم نقدها، قد يراه البعض أخطاء واجتهادات عفوية بينما قد يراه البعض الآخر أنه «سياسة ونهج مقصود»، يعمل جاهدا لخلق وعي متدن في حقيقة الوضع الاقتصادي من أجل توجيهه نحو خدمة مصالح أطراف معينة وان تعارضت مع المصلحة العليا لاقتصاد الدولة ومواطنيها، لذا يبقى السؤال الذي طرحناه في بداية المقالة: هل ازداد الوعي والمعرفة في عصر الثورة المعلوماتية أم أن مستوى الوعي هو قصة أخرى تتلاعب بها عدة أطراف مؤثرة؟

• أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk