في الأزمنة القديمة وفي العصور الغابرة كانت هناك دول ومجتمعات مدنية، نعرف منها نحن «الغربيين» مجتمعات أثينا وروما وبابل ومكة... وبقية المجتمعات أو الحواضر في ذلك الزمن. في أثينا البرلمان وفي روما السنت، وفي مكة دار الندوة على سبيل المثال.
معظم هذه المجتمعات كانت مجتمعات ديموقراطية حسب تعريف ذلك الزمن، يحكمها في الغالب «برلمان» ويتم الاتفاق على سياساتها وقراراتها وفق رأي الأغلبية، لكنها بالطبع كانت ديموقراطية ناشئة تتوافق وطبائع وفكر تلك المجتمعات البدائية.
ديموقراطية ذلك الوقت، إن جازت تسميتها بذلك، كانت تميز بين خلق الله، وتسمح للنبلاء أو الأغنياء أو النخبة، تسمح لهؤلاء وحدهم بممارسة الحقوق السياسية، بينما يحرم منها عامة الناس لأنهم «العامة».
الديموقراطية الحديثة... أو الديموقراطية كما نعرفها وعرفناها هنا في الكويت منذ أن منَّ الله علينا بالدستور الكويتي تعتمد أساساً على المبادئ الديموقراطية الثلاثة التي ميزت بين الديموقراطية الحديثة وبين التجارب البدائية السابقة... الحرية والعدالة والمساواة، هذه هي ما يميز الديموقراطية الحديثة، فديموقراطية المجتمعات البدائية لم يكن فيها الناس أحراراً، ولم تكن هناك مساواة بينهم، والظلم والاستبداد كان يذل ويستعبد عامة الناس، هذا بالطبع إلى جانب أن الديموقراطيات الحديثة تتميز بأن الذي يحكمها هو «دستور» وليس الأغلبية أو في الواقع النخبة كما كانت الديموقراطيات القديمة.
هذه الأيام... وبعد أكثر من نصف قرن من الحرية والعدالة والمساواة يتجرأ بعضنا على السعي أو المطالبة بعودتنا إلى العهود الغابرة أو إلى عصور الاستعباد والرق عبر إصرارهم على التمييز بين الكويتيين.
فهم يصرون على أن هناك كويتياً أصلياً أو «ديلوكس»، وكويتياً غير أصلي أو متجنساً، وأن الكويتي المتجنس يجب أن يحرم من حقوقه السياسية وأن يُستبعَد أيضاً من ممارسة السلطة عبر استثنائه من المناصب القيادية، ويصرون أيضاً على أن هذا التمييز يجب أن يبقى إلى الأبد، يعني بعد مئة أو ألف سنة سيكون لدينا مثلاً مليون كويتي يتحكمون في ثلاثة ملايين، مليون لهم حق الترشيح والانتخاب وبالتالي تقرير مصير الجميع، بينما ثلاثة ملايين عليهم أن يتقبلوا ويستسلموا لسياسات وقرارات الأسياد من الكويتيين الأصليين!