لأن الشرق الأوسط محكوم بتراث القبلية والصراعات الطائفية والعرقية وهيمنة الفكر الإسلامي الذي وقف ضد الحداثة والديموقراطية والتنمية فالنتيجة هي الواقع الآن... ذلك التصور السابق ذكره هو السائد الذي روج له مفكرو الغرب وتبناه القادة الغربيون سواء كان هؤلاء من أهل الجهل والعنصرية مثل ترامب أو من أهل الثقافة كالرئيس أوباما.

د. فواز جرجس الأستاذ بجامعة لندن للاقتصاد يقلب الطاولة على التصور السابق في آخر كتاب له صدر حديثاً ــ نتمنى ترجمته للعربية ــ بعنوان «ماذا حصل؟»، وهو بعنوانه يرد بقوة ومن قاعدة اليسار على كتاب المستشرق برنارد لويس بعنوان مشابه، والذي تبناه معظم القادة الغربيين تماماً بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، وكان شعار كتاب برنارد لويس حينها «لماذا يكرهوننا؟» ويقصد لماذا يكره العرب المسلمون الغرب؟

Ad

لم تكن القبلية والطائفية والإسلام هي الأسباب في الحال الذي وصلت إليه المنطقة، بل كانت الإمبريالية الغربية سواء بصورتها التقليدية في الاستعمار المباشر من جانب بريطانيا وفرنسا، أو في شكلها الحديث كما تمثلها الولايات المتحدة، هي المسؤول المباشر عن واقع الشرق الأوسط اليوم. ويفتح فواز جرجس تاريخ المنطقة الحديث ليؤسس ويحلل الواقع المتردي للمنطقة، وتحت عدسة المجهر الأكاديمي يقرأ أحوال ثلاث دول، اثنتان من الشرق هما مصر وإيران، ثم غواتيمالا في أميركا اللاتينية.

تفرد الشرق الأوسط بأنه الأكثر تدخلاً في شؤونه من الإمبريالية، وإدمان الغرب بنهمه للنفط ورهابه من فوبيا انتشار الشيوعية في تلك المنطقة جر المنطقة لمعظم الشرور والمآسي التي نشهدها اليوم، وفي ذهن فواز دائماً مأساة غزة، ولا ننسى بدورنا المأساة الأخرى اليوم في السودان.

بعد الحرب العالمية الثانية شرعت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا لخلق «الشرق الأوسط المصغر» لضمه لدول «الناتو» كي يتم احتواء الاتحاد السوفياتي وخنقه من جهة، ومن جهة أخرى ضمان تدفق النفط الرخيص من دول الأطراف (دولنا الشرق أوسطية) إلى دول المركز (الولايات المتحدة ورفاقها)، وكانت الحركة الوطنية التي تنبهت لهذا الخطر الاستعماري ممثلة بمحمد مصدق في إيران وجمال عبدالناصر في مصر... ولم تنته الحكاية عندها... هي حكاية الدمار المأساوي للمنطقة... وللحديث بقية.