ليس مصادفة أن يختار وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني أن تكون أول زيارة خارجية له إلى لبنان. يؤشر ذلك إلى مدى وعمق الاهتمام الإيراني بالساحة اللبنانية، خصوصاً أن «حزب الله» يمثل درة تاج المشروع الإيراني في المنطقة. وتأتي الزيارة على وقع تصعيد كبير يشهده جنوب لبنان في العمليات العسكرية والمواجهات الدائرة بين الحزب والجيش الإسرائيلي. زيارة كني لها أكثر من هدف، خصوصاً بعد الوفود اللبنانية التي زارت طهران للتعزية بوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.

وحسبما تقول مصادر متابعة، فإن كني يتحضر لتسلم وزارة الخارجية بالأصالة بعد الانتخابات الرئاسية، وهو يتحضر للإمساك بمختلف ملفات المنطقة خلفاً لعبداللهيان، كما أنه الموكل بالتفاوض مع الولايات المتحدة. وفي هذا السياق تندرج الزيارة في سياق الحرص الإيراني على ترميم الخلل، بين عمل الدبلوماسية والميادين، الذي نجم عن غياب عبداللهيان، بالإضافة إلى إثبات الحضور في لبنان وعدم تركه وعدم تراجع الاهتمام به. أما الأهم فيما نقله من رسائل، حسبما تكشف المصادر، فهو تشديده على ضرورة استمرار التكامل بين إيران وحلفائها، وإبداؤه استعداد طهران لتقديم المزيد من المساعدات للبنان.

Ad

وبحسب المعلومات فإن كني شدد أمام المسؤولين اللبنانيين على أهمية الوصول عبر التفاوض إلى وقف لإطلاق النار بغزة، وضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل لدفعها إلى وقف الحرب وإنجاح المبادرة الأميركية التي اقترحها الرئيس جو بايدن، لأنه في حال أفشلت تل أبيب الصفقة أو المفاوضات فهذا يعني أنها مصممة على مواصلة القتال إلى فترة طويلة جداً، بدون قدرة أي طرف على توقع النتائج أو التطورات التي ستنجم في المنطقة في حال اتسعت الحرب.

وتضيف المصادر أنه في حال فشلت مساعي وقف إطلاق النار فإن المخاوف ستتزايد بشأن الوضع في لبنان والذي سيشهد تصعيداً مطّرداً، خصوصاً أن العمليات تتزايد بكثرة في الأيام القليلة الماضية.

وتشير المعلومات إلى أن كني شدد على أهمية استمرار المفاوضات مع واشنطن، وأن إدارة بايدن لا تريد أي تصعيد وتسعى لممارسة المزيد من الضغوط على الإسرائيليين لوقف الحرب. كل هذه الملفات حضرت أيضاً في لقاء كني مع الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله الذي استعرض مسار الجبهة اللبنانية والعمليات التي يقوم بها الحزب ضد الإسرائيليين والتحضير لتكثيف الضغوط العسكرية عليها لدفعها إلى قبول التسوية أو الصفقة.

الملفات السياسية حضرت أيضاً في زيارة وزير الخارجية الإيراني الذي شدد على أن طهران توكل الملف السياسي الداخلي لـ«حزب الله» وما يقرره، مؤكداً أن بلاده مستعدة للمساعدة في سبيل الوصول إلى تسوية داخلية ولكن تكون متوافقة مع رؤية الحزب وتتلاقى مع تطلعاته ومصالحه.

وأمس، أكد وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره السوري فيصل المقداد، في العاصمة السورية دمشق، التي وصلها قادماً من بيروت عقب سلسلة الاجتماعات التي عقدها بها وشملت قادة الفصائل الفلسطينية، أن طهران ستواصل وقوفها إلى جانب «محور المقاومة» بثبات أكبر. وأوضح أنه سيناقش عدة ملفات إقليمية ودولية مع المسؤولين السوريين لكنه جاء اليوم «للتشاور في القضية الأهم، وهي قضية الحرب الظالمة على غزة»، مؤكداً أن «إسرائيل هي العامل الرئيسي لعدم استقرار المنطقة».

من جهته، شدد المقداد على عمق العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين سورية وإيران.

وفي شأن آخر، أكد المقداد رداً على أسئلة خلال المؤتمر المشترك أن الشرط الأساسي لأي حوار تطبيع سوري ـ تركي هو أن تقوم أنقرة بإعلان استعدادها للانسحاب من الأراضي التي تحتلها بشمال سورية، مشدداً على أنه «لا يمكن أن نتفاوض مع دولة تحتل أرضنا».

وتعليقاً على تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر الأخيرة بأن بلده تدرس إمكانية سحب قواتها بشرط أن يتم ضمان بيئة حدودية آمنة، لفت المقداد إلى أن أنقرة تعهدت عدة مرات بالانسحاب لكنها تراجعت.