على الرغم من الروح الإيجابية التي حملها خطاب رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ أحمد العبدالله، عقب اجتماع الحكومة الأسبوع الماضي، والذي أعلن من خلاله عن «مشاريع تنموية هائلة مع دخول الكويت حقبة جديدة من الإنجاز لكل ما فيه خير المواطن داخلياً وخارجياً»، فإن واقع الحال، بناء على المعطيات الحالية والتجارب السابقة، يقيّدان التفاؤل بتحقيق ما ورد في الخطاب حتى مع توافر النوايا الصادقة.

فليس من قبيل التشاؤم أو السلبية مقارنة خطاب رئيس الوزراء الحالي مع خطابات أسلافه رؤساء الوزراء السابقين منذ 20 عاماً على الأقل، فجميعهم تبنّوا خطابات مماثلة أو مطابقة لحديث رئيس الوزراء الحالي، لا سيما تجاه الإصلاح الاقتصادي والمالي وإطلاق مشاريع التنمية والبنية التحتية ومواجهة البيروقراطية وتقليص الدورة المستندية، ووضع معايير أفضل للاستدامة المالية والخدمية، مع تأكيدات تصل الى حد التطابق بشأن أهمية دور القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، لا سيما في الجزر والموانئ الكويتية، فضلا عن المنطقة الشمالية للبلاد.

Ad

وربما يكون عدم تفاعل بورصة الكويت ليومين متتاليين، بعد خطاب رئيس الوزراء مؤشرا - ولو قصير الأمد، لكنّه عالي الحساسية - على حاجة الحكومة إلى تعزيز الثقة بخطاباتها عبر إجراءات عملية ونماذج إنجاز تقنع الرأي العام والمستثمرين بجدية الإصلاح.

الواقعية أولاً

وتجاوزا للسلبية والإيجابية، فإن الواقعية تقتضي أن يتوافق الخطاب الإيجابي للحكومة، وهي التي يمتلك حاليا جميع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية أولا مع أهداف الاقتصاد، بحيث تكون مخرجات المشاريع الهائلة هي ذاتها معالجات الاختلالات الاقتصادية في البلاد من حيث تنويع إيرادات الدولة وإصلاح سوق العمل وإعادة هيكلة التركيبة السكانية كمّا ونوعاً، فضلا عن تنمية دور القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وثانيا يتم العمل على إصلاح آليات العمل التنفيذي، بدءا من مجلس الوزراء، مرورا بالجهات والهيئات المعنية بالاقتصاد والمالية والتجارة والمشاريع، وصولا الى الجهاز الإداري المتضخم وظيفيا وبيروقراطيا.

وهذه كلها بحاجة الى آليات تخطيط ومتابعة وإحصاء وقياس وتقييم قد يكون من الإنصاف القول إنها غير متوافرة في أجهزة الدولة أو أصابها الترهل خلال السنوات الماضية، نذكر منها، على سبيل المال لا الحصر، الأمانة العامة للتخطيط، والإدارة المركزية للإحصاء.

نجاح المشاريع

فنجاح المشاريع «الهائلة» ليس في كمّها أو حجمها، بل بنوعها أولا، أي في تحويلها الى مفيدة ومستدامة، وهذا يتطلب إصلاحا و»نفضة تنفيذية» في آليات عمل مجلس الوزراء قبل أي جهة أخرى تابعة، بدءا من الابتعاد عن الصيغ التقليدية للاجتماعات الحكومية (تكليف - تنسيق - متابعة) بلا قرار، مع وجود آلية تنفيذ صارمة، وإفصاح عن مدى تحقق أهداف البرنامج وفق المدد المقررة، مع بيان أي معوقات أو انحراف أو إخفاق في التنفيذ بالتوازي مع بيان آليات التمويل لهذه المشاريع المتوقعة أو «الهائلة» إن كانت من ميزانية الدولة من باب الإنفاق الاستثماري الذي توازي قيمته 2.29 مليار دينار، أي 9.3 بالمئة فقط من مصروفات الميزانية أم من الاقتراض، أو من الصندوق السيادي، أو من الخصخصة أو الاكتتاب العام، فالمشروعات الهائلة تحتاج أيضا إلى تمويلات كبيرة تتجاوز ما هو مرصود سنويا في الميزانية.

ترشيق الجهاز

كذلك من المهم أن يعمل مجلس الوزراء على ترشيق الجهاز الحكومي كي يكون مؤهلا لتنفيذ الحجم المتوقع من المشاريع التنموية المفترضة، أي العمل على اختيار قياديي الوزارات والمؤسسات العامة، وفقاً لمعايير الكفاءة والإنجاز بالتوازي مع دمج الهيئات المتشابهة وتقليص القطاعات، والعمل على توفير المتطلبات التشريعية بمهنية عالية، وجدية التعامل مع ديوان المحاسبة والوحدات الرقابية الأخرى، لتلافي المخالفات والملاحظات، فضلا عن ‏ضبط الهدر المالي في التنفيذ.

النفط والتمويل

وربما تبدو مسألة تمويل المشاريع أكثر جدية خلال الفترة القادمة، خصوصا مع إعطاء سوق النفط بعض المؤشرات الأولية السلبية للقرارات التي صدرت عن اجتماع منتجي النفط ضمن مجموعة أوبك بلس، حيث أقر المجتمعون تخفيف سياسات خفض الإنتاج اعتبارا من أكتوبر المقبل، مقرونا بزيادة الحصة الإنتاجية لعدد من الدول، مما يعني إعادة ضخ 2.2 مليون برميل يوميا في السوق، وهو الأمر الذي انعكس على تراجع سعر برميل برنت بواقع 6 بالمئة خلال تعاملات الأسبوع الجاري.

والحديث عن أسعار النفط وأثره على تمويل المشاريع ليس شأنا كويتيا، إنما ستمتد آثاره على معظم دول مجلس التعاون الخليجي، والأهم هنا هو الآلية التي سيتم اتباعها محليا لتعويض الفارق بين سعر برميل النفط الكويتي وإمكانية تراجعه إذا تزايدت الرغبة في تخفيف سياسات خفض الإنتاج في «أوبك بلس» أو إلغائها وبين سعر تعادل برميل النفط في ميزانية الكويت 2024 - 2025، البالغ 90.7 دولارا، وهنا قد تلوح بين الخيارات الحكومية - كعادة أي حكومة سابقة - أولويات لسد عجز المصروفات الجارية، كالرواتب والدعوم أكثر من التوجه لتمويل المشروعات الكبرى.

قياس الجدية

ثمّة حديث طويل يمكن التفصيل فيه بشأن المشاريع الهائلة التي تنتظر البلاد، وفق وعد سمو رئيس مجلس الوزراء، إلّا أن قياس الجدية من عدمها سيتبين من خلال جدية «الرؤية»، أي مدى ارتباط المشاريع بمعالجة اختلالات الاقتصاد من إيرادات وفرص عمل وتركيبة سكانية ودور للقطاع الخاص، وأيضا جودة التنفيذ، أي عبر وجود برنامج عمل حكومي أو خطة عمل واضحة محددة الرؤى والبرامج والأهداف والزمن والآليات، الى جانب ميزانية جديدة ترتفع فيها نسبة الإنفاق الرأسمالي ذي العائد الاقتصادي على حساب تقنين وتنقية المصروفات غير الضرورية، ولو بنسبة قليلة تعطي مؤشرات على مهنية غير معهودة في عمل الإدارة التنفيذية.

لعل عقد مجلس الوزراء 3 اجتماعات، من دون الإشارة إلى أي برنامج جديد أو ميزانية قادمة بآليات إصلاحهما، يقوّض كثيرا من التفاؤل الذي تحاول السلطة التنفيذية إشاعته في المجتمع.