بلد الحريات... وتعديل الدستور

نشر في 06-06-2024
آخر تحديث 05-06-2024 | 21:07
 د. محمد المقاطع

النمط الاجتماعي للحياة العامة في الكويت، يتحدث بشكل بليغ عن طبيعة الحريات وممارستها في المجتمع الكويتي.

فالديوانية الكويتية مؤسسة اجتماعية رائدة يمتاز بها المجتمع الكويتي، وهي وإن كانت في الأساس مؤسسة اجتماعية، إلا أنها، تماشياً مع طبيعة المجتمع الكويتي الذي جُبل على الحرية في الاجتماع بها والحرية بالحوار والنقاش بكل الأمور في الديوانية جعلها مؤسسة اجتماعية ثقافية وسياسية في آن واحد، كيف لا وأول انتخابات نيابية في تاريخ الكويت عام 1930 أُجريت في الديوانية؟ ولذا، فإنه لا غنى للكويتي عن الديوانية في حياته العامة.

الحوارات التي تدور في الديوانيات جميلة، وتدل على حيوية المجتمع الكويتي، ومن الحوارات المختلفة التي تدور في الديوانيات هذه الأيام، تساؤل يُطرح، وهو: هل آن الأوان لتعديل الدستور؟ وهنا نجد وجهات النظر تتباين وتتعدد لدى رجالات الكويت ورواد الديوانيات.

وأنا شخصياً، لديّ قناعة واضحة بأن أزمة الديموقراطية لدينا لا تكمن في الدستور نفسه، نعم الدستور ليس وثيقة مقدسة لا يجوز أن يطولها التعديل، كما يذهب البعض برأيه، بل هو وثيقة قابلة للتعديل، وقد يتم ذلك وفقاً لما هو مقرر بالمادتين 174 و175 منه.

ويتلخص رأيي في أن إشكالية العمل البرلماني لدينا تكمن في خمسة أمور:

1- التجاوز المتكرر على أحكام الدستور من قبل الحكومة والمجلس، وصمت كل منهما عن الآخر، بل وتوافقهما عليه أحياناً.

2- خروج الممارسة البرلمانية على أحكام الدستور بتعمّد في معظم الأحيان، وبسوء تقدير أحياناً أخرى، ومن ذلك تجاوز المواد 20,79,99,100,101,115,140.

وهي نصوص واضحة وحاسمة تم تجاوزها في ظل صمت حكومي، بلا اعتراض أو احتجاج أو رفض، وفقاً لما للحكومة من صلاحيات دستورية، فتعديل أي نصوص لن يغيّر السلوك البرلماني ما لم تخرج الحكومة عن صمتها إزاء تلك الممارسات المتعدية للدستور.

3- حكومات ضعيفة مفككة تخشى المساءلة وترتعد بمجرد التلويح بمساءلتها، وكثيراً ما تُسكتُ وزراءها عن الرد على النواب بسبب تلك الخشية، بل وفي بعض الأحيان يكيد بعض أعضائها لزملائهم مع تمرير معاملات للنواب المتجاوزين في أدواتهم السياسية.

4- عدم وجود نظام ضبط لممارسات النواب بغياب نظام للسلوكيات والقيم البرلمانية، والتي ينبغي أن تتضمن المعاقبة على جميع أمور تعارض المصالح، والابتزاز السياسي أو المالي، والتعدي اللفظي والتجاوز القيَمي، والسير بالخدمات والواسطة غير المشروعة، وممارسة التشهير والتهديد السياسي بالتخفّي بالحصانة النيابية، والانحراف بالتدخل في عمل السلطة التنفيذية والتعسف بالأدوات الدستورية، وغيرها من الأمور التي يجب أن تحكمها عقوبات صارمة تصل إلى إسقاط العضوية.

5- الغياب الإعلامي للحكومة، رغم أنها تملك الحجج والأسانيد التي ينبغي أن يظهر بها وزراؤها بالإعلام بشكل أسبوعي وبحضور إعلامي قوي، للرد على الإشاعات والمغالطات والتصريحات غير الصحيحة التي يطلقها بعض النواب والسياسيين، وعدم التهاون مع مَن ينشر معلومات مغلوطة أو إشاعات.

نعمة الحريات التي يمارسها الكويتيون متجذرّة فيهم، وهي علامة صحة وعافية للمجتمع الكويتي، والديوانية أحد نماذجها، ولذا لا توجد في الكويت، في ظل البحبوحة السياسية، ملاحقات سياسية أو تقصُّد للتضييق على الحريات، بل مَن يتعدى على أحكام القانون يقدّم للمحاكمة التي قد تدينه وقد تبرئه، تبعاً لطبيعة الوقائع وملابساتها، وتلك نعمة نحمد الله عليها وعلى القيادة السياسية التي تُرسي ممارسة الحرية المسؤولة، والإساءة اليوم مصدرها الوسائط الاجتماعية التي تحمل أسماء وهمية، وتبثّ معلومات وبيانات غير صحيحة، وهو أمر يجب التعامل معه بحزم من دون تضييق على الحريات.

وفي إطار تلك الحريات، فإن الآراء والاجتهادات تتباين بشأن الحاجة إلى تعديل الدستور من عدمه، ولا أظن أن مشكلة الكويت تكمن في الدستور.

وللحديث تتمة، ، ،

back to top