فواز قادري: الشعر عندي لم يعد كتابة عن الأشياء

ديوانه الجديد محاولة للتقرب من سيرة الولد الأمّي التي تأخرت كثيراً

نشر في 06-06-2024
آخر تحديث 06-06-2024 | 17:07
الشاعر السوري فواز قادري
الشاعر السوري فواز قادري
منذ صدور ديوانه الأول (وعود الدم) عام 1992، استطاع الشاعر السوري المقيم بألمانيا، فواز قادري، أن يشيِّد جبلاً من الشعر، وفي قمته قلعة يحج إليها العشاق، قوامها حتى الآن 39 إصداراً، وأحدثها الذي صدر أخيراً بعنوان «سيرة العاشق سيرة المكان» عن دار النخبة للنشر والتوزيع، وفيه يواصل عزف أجمل سيمفونية للعشق، والذي بدا لنا كأنه سيرة ذاتية بلغة القصيدة، التقته «الجريدة» في هذا الحوار، لنعرف منه كواليس أحدث أعماله، وإلى النص:

• أحدث دواوينك «سيرة العاشق سيرة المكان»، هل هو سيرتك الذاتية في قالب شعري؟

- هي محاولة للتقرب من متطلبات سيرة ملحاحة، ومضات وإشارات شعرية من بنية سردية، زمن مسروق أحاول استعادته لأكتب لاحقاً، سيرة الولد الأمّي التي تأخرت كثيراً، الأمكنة التي عبرتها أمي القادمة من غربات لم تنتهِ حتى غربة القبر، البيوت العائلة والأولاد الذين خسرتهم، كل مكان جديد يفرّخ أمكنة، غربات وطفولة تلهث خلفها القصائد، بلاد تتشظى، تتبعني وتدميني إلى آخر جغرافية القصيدة.

حكايات أمي ودموعها

• ماذا يعني المكان بالنسبة لك كشاعر؟

- المكان عندي كل شيء، مهما كان زمن تعارفي معه بسيطاً وعابراً، ليس من السهل نسيان الذي يترك في الإنسان أثراً، وجهي يحمل بعض ملامح وجوه تعرّفتُ عليها، وعيناي مليئتان بصور لا تُمحى بسهولة، من أكبر فواجع الرحيل، تبديل الناس، والشوارع والبيوت.


غلاف الديوان الجديد غلاف الديوان الجديد

هاجس الرحيل الذي لازمني منذ ذاكرة الطفل الأولى، أنا وارثُ سرد حكايات أمي الغريبة التي لا تنتهي، ووارث دمعتها التي تشبه كل الأمكنة التي عبرتْها، والتي غادرتها بحرقات وخسائر لا تعوَّض، دمعة أمي التي تجيد البكاء بلا تعب وسرد الحكايات واحتفاظ بكل أثر أو رائحة لكل مكان عرفته ورحلت عنه، من وجع أمّ خسرت أولادها، وسوَّرت سيرتها بطعم حريق وبكاء دائم في ليالٍ كثيرة لا يشبه أي بكاء.

الديوان الضائع

• وما سر اختيارك لعنوان ديوانك الجديد؟

- عنوان الديوان ليس جديداً. كان محاولة عنيدة مني لاستعادة مخطوط شعري مفقود بالعنوان ذاته تقريباً، مخطوط عزيز عليَّ فشلت في الحصول على موافقة طباعته، قرأته في أمسيات عديدة بمدن مختلفة من سورية، ولم أستطع طباعته، كتبت واستعدت الكثير منه، لم يطرأ على الديوان الضائع تغيير كبير، من سيرة مدينة، إلى سيرة مدن، من عاشق محلّي إلى عاشق كوني، وسيرة شاعر عاشق عشقه بلا حدود، حتى كدتُ أصبح على يقين أن القصائد لا تكتمل ولا تنتهي.

• أصدرت دواوين كثيرة، هل غزارة الإنتاج تلك تعني أنك غارق في بحور القصيدة وحدها، وأننا لن نرى سيرتك في كتاب سردي مثلاً؟

- لا أستطيع توصيف غزارة كتابتي في سنوات الثورات، والثورة السورية على وجه التحديد، بالغرق، على العكس كانت تجربة غيَّرت مفهومي عن الشعر، القصيدة صارت حالة فذة من حالات العيش: (العيش أن تملأ حيزك الزماني والمكاني بمعناك) لم يعد الشعر عندي كتابة عن الأشياء، بل كتابة الأشياء وأحوالها المتغيرة، أوجهها الكثيرة المتعددة، كتابة شاركتني أنفاسي، الرقص مع نبض الموجودات، الأفكار، المفاهيم، شرار قزحي، احتكاك بكل ما يحيط بي، حتى صار بالإمكان الكتابة عن كل شيء في معظم الأوقات، الأحاسيس تضيء كل شيء، تقارب أو تباعد سلاسة بديعة، نكهات وعلاقات مبتكرة كشفتها حالة العيش أمامي، كأن المدى سطح زجاجي ملوث بالدم ودخان الحرب وغبار دمار المنازل ممزوج بانهيارات أرواح الناس وصراخ الحجر.

مشاعر ملتبسة

• ما الذي وفَّره لك المهجر في ألمانيا تحديداً، ولم يكن ليتحقق لو أنك واصلت تجربتك الإبداعية في بلد عربي؟

- من الطبيعي، الأمكنة الجديدة ستضيف بمحمولاتها المتنوعة الكثير إلى القصيدة، تغتني التجربة الإنسانية وتثري عوالم الشاعر وأحاسيسه وطرق تلقّيه، هذه طبيعة الأشياء بالنسبة إلى كل منْ يكون مهيئاً لاكتساب القليل من كل ما هو جديد، المعارف، التعلّم، الاطلاع، الكشف، إغناء تجربة الإنسان.

أنا وارث حكايات أمي ودمعتها التي تشبه كل الأمكنة التي غادرتْها

والمهجر منحني أشياء كثيرة، أكثرها تأثيراً، أتاح لي إعادة النظر بكل ما مضى، فحين تكون بعيداً عن الأشياء التي شكلتك والأشياء التي ظلت بعيدة عنك ولا تستطيع نسيانها أو الاستغناء عنها، تتعرف عليها من جديد، وتكتشفها بشكل أقرب إلى حقيقتها، لذا تتعرف على نفسك في الوقت الذي تمنحك الغربة كل ما فيها من مشاعر ملتبسة وحنين لا تعرف متى يفصح عن نفسه وألم متنكّر بالفرح. وأنا مثل غيري، وأكثر قليلاً، لأنني أعرف حاجتي المتزايدة إلى تجارب تغني كل مبدع بشكل خاص، وكل إنسان على العموم.

فلسفة العشق

• ماذا يعني العشق في فلسفة فواز قادري الشعرية؟

- الحُب ومشتقاته، والعشق على وجه الخصوص، الحالة الأكثر تأثيراً في الإنسان، لا تدعه على حاله أو تماسكه، تشغله وكأن المعشوق هو كل شيء، الشاعر بشكل خاص، يتلقى العالم بدرجات مختلفة مثل جميع الناس، وينفرد عن غيره من الكائنات، كونه الأكثر قُرباً وحاجة إلى كتابة المشاعر والتعبير عن أحواله، أي الأكثر تعبيراً عن العشق، وهذا ما يجعله لصيقاً به وبصفة العاشق، والمفروض أن يكون الأكثر هشاشة، بالتالي الأكثر طيبة ونقاءً كما أعتقد.

أبرز أعمال الشاعر

«وعول الدم»، «بصمات جديدة لأصابع المطر»، «نهر بضفة واحدة»، «لم تأت الطيور كما وعدتكِ»، «ثلاثية مزامير العشق والثورة»، «أناشيد ميونيخ المؤجلة»، «شاعر يقف في الشارع»، «آيات الحب العظمى»، «بيتها على النهر»، «شوق خفيف»، «نهرك ليس ساقية تمر أمام البيت»، «ليالي شهرزاد الجديدة»، «صهيل في غرفة ضيقة»، «اختباء الأمكنة في حقائب الغرباء»، «هذا الوقت ليس وقتي».

back to top