قد يكون للمشاريع الكبرى أهميتها في إعادة بناء القاعدة الاقتصادية لتكوين مصدر دخل مستدام، فنحن نعلم بمركزية منطقة جبل علي في خلق قاعدة اقتصادية ولدت مضاعفاً اقتصادياً غنياً وقويا هزَّ وحرّك دوائر الأنشطة الاقتصادية من عقارات وفنادق ومتاجر ومطاعم ومواصلات وبنوك... إلخ.

لذلك لا ينبغي على الإطلاق أن نغفل الأهمية الضخمة للمشاريع الكبرى، بل يستوجب ذلك الحفر في صخرة الإمكانات لاستخراج نشاط اقتصادي مركزي لا نظير له يتوافق مع طموحاتنا، ويلبي احتياجاتنا، ويمكنه توظيف طاقاتنا البشرية والمادية توظيفا في ذروة الفعالية، ويكون بصمة لعبقريتنا تستقطب القوى الشبابية الوطنية، وتفسح مجالا حيويا لاستقطاب الخبرة الأجنبية واستيعابها في أقل وقت من قبل العمالة الوطنية.

Ad

عندها ستطغى موجات تهزّ كل دوائر النشاط الاقتصادي في حركة متناغمة شجية على خلاف الحركة المرضية البشعة التي تولد تكدسات لعمالة هامشية ومناطق عشوائية وأنشطة تجارية رديئة، فترى متاجر لسلع مقلدة وسلع كهربائية ليس فيها مواصفات الأمان والجودة ومظاهر سلوكية هابطة من مخدرات وصناعة خمور وبيوت دعارة، أجلكم الله، وهنا تنتشر أورام الرشوة وتجارة البشر والارتفاع الجنوني لقيمة العقارات التجارية، لذا ترى المطاعم التي تقدم أرخص الوجبات وأكثرها ضررا بالصحة لمواجهة ارتفاع الإيجارات والرشوة وتكاليف أخرى والضحية هنا الناس، والأَنْكى من ذلك استباحة أصحاب نشاط الخدمات الفنية في هذه الأجواء رفع الأسعار وتزييف قطع الغيار في تصليح السيارات والمكيفات والسمكرة والإنشاءات، وهذا يشكل نزيفاً لرواتب المواطنين.

أرأيتم مدى التشوه والتخلف الذي يضرب الكيان المجتمعي والحضاري إذا تركنا إدارة الموارد والمقدَّرات الوطنية لهذه العشوائية، ولهذا السرطان الحضاري الخبيث الذي يفضي الى تفكيك وتمزيق شبكة العلاقات الإيجابية الراقية لتندفع قوارض الفساد والتخلف، فتفرم شبكة العلاقات، وتمزق مقومات التطور الحضاري الجميل، وتصبغ حياتنا بكل تَمَظْهرات وفنون القبح.

يجب أن يستنفر العقلاء وذوو التفكير المنعتق من صناديق المألوف طاقتهم التخيُّليّة، فيتوصلوا إلى مشاريع ضخمة غير مسبوقة تخرق جدار الخيال، وتتوافر لها كل مواصفات ومقومات النجاح، وتنفرش نتائجها المحركة والإيجابية على كل دوائر النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فمثلا في أبوظبي وجدنا فكرة متمردة على المألوف وخارقة للخيال فتوصلوا الى مشروع استنساخ متحف اللوفر الشهير وقد تم هذا المشروع!!!

وأنا هنا أُذكِّر بما قاله أنطوني بلير بوجود مصدرين للدخل النفط والبحر، وأنا أضيف المناخ الجاف غير الرطب، فالفترة التي يكون فيها الجو مناسبا للنشاط السياحي تمتد من أكتوبر إلى أبريل، وحتى في أجواء الحر الشديد يكون معظم هذه الفترة الجو جاف على عكس معظم دول الخليج ذات الأجواء الرطبة، وهذه ميزة يمكن استغلالها بتوفير الأماكن المبردة والإكثار من الغطاء النباتي والمسطحات المائية، وحفر القنوات المائية البحرية (الخيران)، وكما اقترحنا إنشاء مدن إسكانية تشبه المنتجعات على شكل مجمعات بشقق مع توفير كل مقومات الترفيه يتناغم مع ذلك استغلال الشواطئ الجميلة، واستصلاح الأخرى وإقامة مشاريع ترفيهية ضخمة لا نظير لها في الإقليم تمتص كل العمالة الوطنية في شكل مشاريع صغيرة ومتوسطة وكبيرة، يتم حشد الدعم لها في ظل الوفرة المالية الحالية لخلق تنويع مصادر للدخل مستدامة على أنقاض الاستغلال المشوه للسواحل في شكل شاليهات تجثم على صدر أحلى شواطئ الكويت.

وفي هذا السياق لابد من هدم المناطق العشوائية بعد تعديل التركيبة السكانية، وتهجير العمالة الهامشية التي لا ترتبط بالبنية الاقتصادية الجديدة، فتهبط أسعار العقارات، وهنا تتملكها الدولة بعد وضع مخططات لمدن تتوافر فيها شروط المجمعات السكنية الراقية، بتوفير المواقف والنمط السكني اللائق والتخضير والمسطحات المائية والمراكز التجارية والخدمية ومسارات المشي على الأقدام والدراجات الهوائية الآمنة.

هنا سنرى الجمال الحضاري يصبغ البلاد ونفوس العباد.