ما زلت أتذكر خبر استشهاد الجندي المصري سليمان خاطر في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بعد أن أطلق الرصاص في طابا على سياح صهاينة أهانوا علم مصر، كانت وسائل الإعلام العربية محدودة وملتزمة بسياسات الدول في تلك الفترة، لكنها كانت قادرة على ضخ الدماء في شريان الكرامة العربي، وكانت الروح العربية النقية حيةً، كنا جميعاً مصريين في ذلك الموقف.

ما زلت أتذكر في تلك الأيام وأنا في شرخ الشباب حضوري أمسيةً شعريةً لشعراء شعبيين مشهورين، ألقى فيها «فهد عافت» قصيدة عن سليمان خاطر ما زلت أحفظ منها بيتين:

Ad

تحية فخر لسليمان ذاك اللي وفي لحظات

رفض قوته لأنه ذاق طعم الذل في قوته

تكلم صمت لكنه تخطى حاجز الأصوات

سكت لكن صرخ في وجه كل الناس تابوته

وبعد الأمسية بأيام زرت معرض الكتاب فاقتنيت كتاباً بعنوان «يا سليمان السلام» يروي سيرة سليمان خاطر من المهد إلى الشهادة، وكان الكتاب صادراً عن الهيئة المصرية للكتاب على ما أذكر.

تلك سنون قد خلت وكانت مشبعة بالعزة والأحلام والبحث الدائم عن البطل الملهم للجماهير القادر على إعادة العزة لمجتمعاتنا الجريحة، بعد أن عانينا شحاً كبيراً في هذا الجانب، وكنا نبحث بين سطور الأخبار عسى أن يأتي بعد أيام الهجير يوماً مطيراً، لكن معظم الأحلام كانت أوهاماً ومعظم الأمنيات كانت مجرد أغنيات.

واليوم وبعد تشييع الشهيد المصري إسلام عبد الرازق ولحق به زميل آخر كانا ضحيتي رصاص الغدر الصهيوني، لم نر ما كنا نراه في السنين الخوالي، لا صحافة تكتب ولا وسائل تواصل تنطق ولا دور نشر تنشر، بل لم يعد فهد عافت مشبعاً بحماس الشعراء فيرمي أول حجر لأول مقلاع ثم (يتكتّر) ويترك الشعراء يلوّحون بمقاليعهم ويرمون أحجارهم.

ماذا دهى أمة العرب؟ وما السبيل لعودة قلب العروبة ينبض بالحياة من جديد؟

إن بعض المقالات لا يمكن أن نسميه سياسياً أو ثقافياً أو أي تسمية تصنيفية أخرى، ومقالي هذا مثال للمقال البكائي أو مقال الحسرة أو مقال نهاية التاريخ، حيث لم يبق في عمر الأمة إلا أيام قبل أيام الاحتضار، وقبل أن نقرأ الفاتحة على روحها الطاهرة ونخلد إلى النوم بسلام.