«لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً»، هذا ما قاله رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لأعرابي قاصداً به أن رحمة الله واسعة، تسَع كل عباده، فلماذا تحجرها لنفسك وتمنعها عن غيرك؟ ووراء هذا القول الكريم حادثة.

فقد روى أبوهريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قام إلى صلاةٍ، فقام معه الصحابة، وكان معهم أعرابي، فصلوا معه، فقال الأعرابي أثناء صلاته داعياً ربه: اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم معنا أحداً، وما إن سلّم النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة حتى قال للأعرابي: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً»، أي لقد ضيَّقت شيئاً واسعاً، أي ضيَّقت رحمة الله الواسعة التي تسع كل شيء وتعم كل حي.

Ad

فالرسول أنكر على الأعرابي، لأنه بخل برحمة الله على خلقه، رغم أن الله أثنى على من فعل خلاف ذلك، وذلك في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ»، فلو دعا بالرحمة دون أن يقول: ولا ترحم معنا أحداً، لما أُنكر عليه.

فيقال عن هذا النوع من الناس إن عينه ضيقة، فهو يرى أن العالم أمامه على رحابته ضيق، لا يكاد يسعه مع غيره، وهذه قمة الأنانية والطمع حتى فيما لا يملك، فهو لا يريد ولا يتمنى الخير إلا لنفسه وحده.

وقد قال شاعر في ذلك:

ملأتُ عليهِ الأرضَ حتَّى كأنَّها

مِنَ الضِّيقِ في عَيْنَيْهِ، كِفَّةُ حَابِلِ

وقال آخر:

أفق لا يحد للعين قد ضاق

فأمسى والسجن هذا الفضاء

الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، حديثٌ جامعٌ من جوامع الكَلِم، يدل على أن عليك أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، وأن تكره لأخيك ما تكرهه لنفسك، إن كان في الرخاء أو في الشدة، أو في وجوده أو في غيابه.

فما أجمل وأوجب أن يقول الإنسان عندما يطلب رزقاً من الله أن يطلبه له ولغيره، فيقول: ربي ارزقني وارزق غيري، ففي النهاية طلب الرزق لغيرك لن يُنقص عليك من كرم الرب حبة خردل واحدة.