عرفت الكويت الحج على مدار القرون الماضية، وتحمل أهلها مشقة الذهاب إلى بيت الله الحرام، منذ أن كان المسير إليه عبر الإبل في دروب الصحراء أو عن طريق البحر وكانت تستغرق رحلة الحاج أكثر من ثلاثة شهور، ثم أتت من بعد ذلك السيارة فالطائرة.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور يوسف الشطي، مدير مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني، إنه خلال تاريخ الكويت مع الحج تأسست مئات حملات الحج الكويتية، وكانت بدايتها عن طريق الإبل والسير في دروب الصحراء الموحشة وغير الآمنة أحياناً، أو عبر ركوب البحر، وتحمل الكويتيون الأوائل مشقة تأدية تلك الفريضة، ثم تطورت الحملات عقب استخدام السيارات التي حلت محل الإبل والبحر معاً، لتستمر إلى يومنا هذا بعد أن توفرت الرحلة بالطائرة، التي غيّرت مسار رحلة الحج كلياً، ووصلت الأيام بعد أن كانت شهوراً.

وقد تنبّه باحثون كويتيون لأهمية الأعمال التطوعية الكويتية في موسم الحج على مدار قرون مضت، حيث شارك الباحثون: عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، والدكتور خالد يوسف الشطي، وقاموا بتوثيق تلك الأعمال وجمعها في كتاب صدر بعنون «الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج».

Ad


واستحضر الكتاب الجهود الكويتية الإنسانية المتتابعة لرعاية الحجاج سواء المقدمة لأهل الكويت أو المارين بها، حيث يُشير الكتاب إلى أن تلك الجهود لم تقف عند عمل الحملات التطوعية، فحسب بل كان لمؤسسات الدولة الرسمية دور مهم فيها، وأنه في عام 1956 تأسست البعثة الطبية الكويتية التي تولت الإشراف على الخدمات الصحية للحجاج، ثم تأسست بعثة الحج الكويتية عام 1976 للإشراف على شؤون الحج لتيسير الأمر على ضيوف بيت الله الحرام بتعاون وتنسيق بين المؤسسات الحكومية.

وتوثق فصول وصفحات الكتاب الصادر عن مركز الكويت لتوثيق العمل لإنساني (فنار)، الجهود التي قدمتها مؤسسات النفع العام الأهلية والخيرية الكويتية كل بحسب تخصصها في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وكذلك قيام الجمعيات الخيرية بتحمل نفقة الحجاج غير القادرين سواء في الكويت أو الدول الأخرى.

ونتعرّف من خلال فصول وصفحات الكتاب، كيف أن أبناء الكويت حكاما ومحكومين ضربوا أروع الأمثلة في العطاء والتطوع والعمل لإنساني، وذلك منذ تأسيس الكويت في عام 1613 إلى يومنا هذا، وكيف تطوّع عدد من أبناء الكويت الموسرين بالتبرع لإرسال حجاج إلى بيت الله الحرام، وكان الذهاب سابقاً إلى الحج لأداء مناسك الحج حلم صعب المنال، لفقر أبناء الكويت، ولصعوبة الطريق ووعورته، وطول الطريق ومشقة السفر.

ويدلنا الكتاب على أن ممن تطوعوا بذلك السيد المحسن مرزوق الداوود البدر، الذي تكفل بنفقة الحج لعدد من العلماء.

ووثق الكتاب الكثير من الروايات التي تحكي عن قيام الأغنياء بالذهاب للحج في قوافل تضم العشرات من الحجاج ممن لا يستطيعون توفير نفقت السفر لآدء تلك الفريضة، حيث كان الأغنياء يخرجون على رأس قوافل لآداء فريضة الحج وفي صحبتهم أعداد من الحجاج غير القادرين، وذلك في قوافل برية ورحلات بحرية حيث يتكفل هؤلاء الأغنياء بنفقات حج كل من يصحبونهم في تلك القوافل والرحلات من غير القادرين.

حيث حج المرحوم عبدالرحمن الرومي أحد تجار الكويت الأخيار عام 1324ه ومعه في قافلة مكونة من مائة من الإبل، وكان كل من حج معه على نفقته الخاصة، حتى أنه مر على العديد من المناطق في طريقه إلى مكة المكرمة فكان يفرق فيها الصدقات حتى وصل إلى مكة.

وكذلك المحسن راشد عبدالله الفرحان، الذي كان يقوم في كل عام بتقديم يد العون للراغبين في حج بيت الله الحرام من الكويت وغيرهم عن طريق البحر.

كما كان المحسن صبيح براك الصبيح، يحج عاماً ويبقى عاماً، وكان يصطحب خلال العام الذي يحج فيه بعض أقاربه وأصدقئه، كم كان يتكفل بنفقات عدد من الحجاج الفقراء من غير الكويتيين.

وكذلك قيام بعض أهل الخير في الكويت بتسيير رحلات صغيرة إلى الحج على نفقتهم الخاصة.

وبحسب كتاب «الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج»، فقد تطور الوضع في هذه الأيام حيث تقوم الجمعيات الخيرية بالإعلان عن رغبتها باستلام تبرعات من أهل الخير لحج بعض الفقراء سواء كان ذلك من داخل الكويت أو خارجها، كما أسس عدد من أبناء الكويت حملات حج يتم صرف أرباحها على أعمال البر، كما تقوم الجمعيات الخيرية الكويتية بإرسال حجاج من دول العالم للحج إلى بيت الله الحرام على نفقة محسنين من دولة الكويت.

ووثق الكتب كذلك، الأعمال التطوعية والخيرية الفردية في خدمة الحجاج، وكيف أن أبناء المجتمع الكويتي قاموا كأفراد دوراً بارزاً في رعاية شؤون الحجاج من خلال عدة أدوار راغبين في خدمة الحجاج.

ومن هذه الأدوار التي قدّمها أبناء الكويت في خدمة الحج، والتي وثقها لنا الكتاب، دور العلماء والدعاة، ووفقاً للكتاب، فقد ساهم علماء ودعاة الكويت - منذ القدم في ترغيب أبناء الكويت لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو ركن الحج وذلك من خلال المحاضرات والخطب والدروس، وتأليف الكتب والإصدارات التي تحث الناس على أداء تلك الفريضة.