كانت العرب تمتدح الرجل قليل الحلف بقولها:
قَلِيلُ الأَلايا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ
فَإِن سَبَقَت مِنهُ الأَليَّةُ برَّتِ
هذه الخصلة الحميدة جاء الدين الإسلامي ليعزز قيمتها بين الناس لقولة تعالى «وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ».
تعريف الحنث بالقسم هو فعل ما حلف ألا يفعله، أو ترك ما حلف أن يفعله، أما عقوبة الحنث باليمين فقد ذهب جمهور المسلمين من السنّة والشيعة إلى أنها توجب الكفارة، والكفارة هي:
1- إطعام عشرة مساكين من وسط الطعام الذي يطعم أهله.
2- كسوتهم للرجل قميص وإزار، وللمرأة جلباب وخمار.
3- تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإذا لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيام.
قد يرى البعض أنه بمجرد أداء الكفارة ينتفي أثرها، وكأنه صك براءة لنقض اليمين، متجاوزين بذلك على المعنى الحقيقي للكفارة التي يفترض بيان أثرها على الشخص المعني بالتوبة النصوح بعدم العودة لذلك الفعل.
على العموم أداء اليمين لا يختص فيه المسلمون فقط، إنما هو مفهوم أخلاقي يجتمع عليه عموم البشر، لكن بأساليب مختلفة فمنهم من يلتزم به من منطلق أخلاقي وجداني ومنهم جانب ديني.
من الملاحظ أن الغرب ورغم تفسخه الأخلاقي يحرص على إلزام من يتولى منصبا عاما أو وظيفية ذات طبيعة محددة من أداء القسم قبل توليه مهام وظيفته، واللافت أيضاً أن المحاكم الغربية تشترط على من يصعد منصة الشهود أداء اليمين ليقول الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة، والمفارقة وبالرغم من عدم التزامهم الديني فإن انضباطهم بموجبات القسم أمر يستدعي التوقف عنده، فالرئيس يذود عن مصالح شعبه والقاضي يحكم بمقتضيات النصوص والمواد القانونية والدلائل والقرائن المتاحة أمامه، والطبيب والمعلم يلتزم بأخلاقيات المهنة والسياسي يدافع عن مبادئه التي يعتقد بها.
لو فرضنا جدلاً أن القيم الأخلاقية والروحانية هي المحرك عندهم وهي وراء عدم نقضهم لليمين، لكان السبب القيمي والأخلاقي أكثر شيوعا بين شعوب الأرض، ولكان المسلمون أولى بهم من غيرهم، فيا ترى ما الشيء الذي يجعل منهم مخلصين إلى حد كبير في أداء أعمالهم؟
قبل الإفراط في تمجيد الغرب لا بد من الإشارة إلى أن هذه المجتمعات قد لا تهتم كثيراً بالقيم الأخلاقية إن تجاوزت محيطها الجغرافي والعرقي، لذلك موضوع الالتزام بمقتضيات القسم له علاقة بالعقوبات القانونية في حالة ثبت عكس ذلك باعتبارها أحد أهم الروادع، لذلك من يتم استدعاؤه للمثول أمام لجان التحقيق أو المحاكم يسرد الحقيقة كاملة وإلا سيتعرض لعقوبات مغلظة.
إذاً الالتزام بالقسم له شقان: الأول وجداني أخلاقي، والآخر قانوني، وبهما يمكن ضمان عدم استغلال المنصب بأي شكل من الأشكال.
نعود إلى القسم الذي يؤديه أصحاب الوظائف العامة والخاصة وقياس ممارساتهم الفعلية، وهل فعلا يصونون قسمهم باعتباره يمثل أحد المقومات الأخلاقية والعدلية لضمان حق المجتمع؟
الخلاصة، نحن اليوم أمام وضع استثنائي يتطلب من الحكومة التي أدت اليمين الدستورية أمام سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، تنفيذه، وهو قسم على أمر في المستقبل قد تفعله أو لا تفعله، فهل سيكتفي من يتجاوز عليه بالكفارة فقط أم أن هناك إجراءات وتبعات قانونية على من يحنث بقسمه؟
ودمتم سالمين.