لما كانت المسؤولية القانونية لا تستقيم إلا بنص يحدد الجريمة والعقوبة لتصدر عليها الأحكام القضائية، فإن المسؤولية السياسية تقديرية حين يسيء الموظف العام إدارة المرفق الحكومي. وعليه، منحت الأنظمة الديموقراطية سلطة توجيه المسؤولية السياسية ضد الوزراء لمحاسبتهم واستجوابهم إذا ما قصّروا بواجباتهم الدستورية أو القانونية أو حتى تجاوزوا على الأعراف والنظام العام، فأضروا بمصلحة البلاد. ولما كان التعليم حقاً من حقوق المواطنين، وسوء إدارته يُعدّ إضراراً بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة للطالب وولي أمره، فقد مارسنا نحن كمواطنين دورنا بتحميل وزير التعليم المسؤولية السياسية عندما فشل في أداء مهامه، وطالبناه بتقديم استقالته بعد ثبوت الأدلة.

سمو رئيس الوزراء... حين يتم تحميل أحد وزرائك المسؤولية السياسية فتقيله أو تقبل استقالته، فإن ذلك لا يُعد ضعفاً ولا يقلل من شأن حكومتك، بل يزيدها قوة ويزيدك حزماً، لتؤكد أن الجميع تحت مسطرة القانون إذا ما أخطأوا في أداء مهامهم، وإننا إذا ما أمعنّا النظر بالفساد المستشري في مؤسساتنا التعليمية، كوزارة التربية و«التطبيقي» والجامعة، فإن ذلك يؤكد ما نحن بصدد توضيحه.

Ad

ولعل أحد الأمثلة تكرار تسريب الاختبارات، رغم التغيير الأخير لفريق المطبعة السرية، فقام الوزير، بعد الضجة التي أحدثناها وأحدثها آخرون، بإنهاء تكليف العاملين بالمطبعة وبعض مسؤولي الوزارة، دون المساس - كما يبدو - بوكيل الوزارة بالتكليف، الذي كان على رأس العاملين بالمطبعة، في ازدواجية غريبة! كما يوضح جدول العاملين تكليف أعضاء حديثي التوظيف وقليلي الخبرة، ليؤتمنوا على هذا المرفأ الحساس الذي هزّت واقعة اختراقه الثقة بنظامنا التعليمي ونزاهة نتائج «الثانوية»، ومن المؤسف ألّا يكتفي الوزير بهذا، بل راح يؤكد فضيحة بجلاجل حين صرّح بأن من اكتشف تسريب الاختبارات إحدى الطالبات وليست الوزارة، مما يؤكد جسامة الفشل وانهيار النظام الإداري، في الوقت الذي كان يفترض على الوزير تجييش أنظمة الرقابة لمنع تكرار جريمة تسريب اختبارات العام الماضي، والتي دانها القضاء والنيابة، ليبقى السؤال الأهمّ، بعد تقصّي أسباب الفشل الإداري، هل كانت صلة القرابة مع مسؤولين بالوزارة هي السبب وراء تكليف حديثي الخبرة عديمي التجربة لتحقيق المنفعة المالية؟! وهو ما يتطلب إجراء تحقيق لفك شفرة شبكة المحسوبية، إن وجدت، داخل الوزارة.

وبنفس سياق سوء الإدارة في اختيار الموظفين كـ «المطبعة»، فوجئ المجتمع الأكاديمي بتخطي الوزير جميع عمداء الكليات ومساعديهم بجامعة الكويت ونواب المدير ومساعديه، والذين يتجاوز عددهم الأربعين شخصية، وإلّا فلماذا قام بتكليف من بدأ يتعرّض لأهم ملفات الجامعة كالتعيينات والترقيات والبعثات وإزاحة الكفاءات من مديرين بالأصالة، لتكون قطاعاتهم عرضة للتجاوزات، كما أزيحت أخيراً مديرة إدارة البعثات من دون وجه حق؟! فهل يرجع سبب هذا التكليف إلى صلة قرابة مع مسؤولين بالوزارة، مما قد يثير صحة التكهنات باستغلال المناصب لتبادل المصالح، وهو ما يتنافى مع عهد الحزم؟!

سمو الرئيس... أما وقد قُطعَت أذرع الفساد بتعليق المجلس من قبل حضرة صاحب السمو أمير البلاد، فإنه لم يعُد لديك عذر في عدم تعيين قيادات جديدة كفؤة بوزارة التربية وبـ «التطبيقي» الذي ينخره الفساد، وبالجامعة، فشغور المناصب العليا وتكليف أشخاص من غير ذوي الخبرة والكفاءة سيعيد تلك المؤسسات إلى المربع الأول للفساد، فعليك سمو الرئيس وقف الترقيات والتعيينات بالجامعة و«التطبيقي» حتى يتم تعيين مديرين بالأصالة، مع ضرورة تحميل المسؤولية السياسية على عاتق وزير التربية.

***إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.