أيهما أنفع للخليج تحلية المياه أم نقلها من خارجه؟
لم تحدث حروب من أجل المياه في القرن الحادي والعشرين كما تنبأ العديد من خبراء المياه... أقيمت السدود من الدول المصدرة للمياه وتوقف جريان بعض الأنهار، ومع ذلك لم تقع الحروب التي أخافونا منها، كانت الطبول تقرع دون أن تصل إلى حافة الهاوية.
الأمر الآخر لم يحدث أن وقعت دولة خليجية تعتمد على تحلية مياه البحر في أزمة مائية كبرى أو تسببت في انقطاع المياه عنها؟
قد تكون الدول الخليجية مهددة بالعطش باعتبار أن معظمها يقع في بيئة صحراوية جافة تعاني ندرة في المياه الجوفية، لكن بنظرة أولية، هناك أكثر من 160 محطة تحلية على الخليج العربي والبحر الأحمر، ومع ذلك لم تتعطل الحياة ولم تتعرض العمليات الخاصة بالتحلية لـ «مشكلة كبرى» تشكل خطراً يهدد الأمن المائي في المنطقة.
البعض يرى أن «التحلية» ستحتضر وتتراجع بعد 25 سنة من الآن بسبب كمية الأوساخ التي ترمى في مياه الخليج العربي، وهو أصلاً «بحيرة مغلقة»، والواقع يقول غير ذلك، دعونا نستعرض بعض مشاريع النقل واستيراد المياه التي جرى الحديث عنها وبسخاء من الدول ذات الفائض في المياه، وتبين فيما بعد أنها أفكار ومشاريع للتسويق السياسي والنفوذ الاقتصادي، لم تخرج من نطاق الورق والتصريحات وبقيت مجرد عناوين، نذكر منها:
1- سحب المياه من جبال إيران إلى دول الخليج العربي بواسطة خطوط أنابيب تحت المياه.
2- أنابيب مياه السلام التركية، وذلك عبر أنبوب ضخم طوله 6500 كلم، وهي المسافة بين تركيا ودول الخليج أيام عهد رئيس الوزراء تورغوت أوزال.
3- سحب مياه نهر السند، عبر سلطنة عمان إلى الإمارات ومن ثم إقامة سد ضخم في المنطقة الجبلية من الإمارات وغالباً برأس الخيمة.
4- سحب مياه من باكستان بواسطة سفن عملاقة.
هذا غيض من فيض، وقبل أن نتحدث عن سحب جبال من الجليد في القطب الجنوبي باستخدام سفن نقل النفط إلى سواحل الجزيرة العربية، وحتى سحب مياه من نهر النيل باتجاه ساحل البحر الأحمر.
الواقع أن كل تلك المشاريع تواجه صعوبات وعقبات تفوق مخاطرها أي مخاطر تتعرض إليها محطات التحلية:
أولاً: كلفة اقتصادية ومالية عالية وغير ثابتة.
ثانيا: عدم توافر عنصر الاستمرار والأمان بسبب إغلاق الممرات المائية الدولية، كما حصل أخيراً في حرب غزة.
ثالثا: يغلب عليها اللون السياسي المتقلب والمتغير.
رابعاً: التخوف أن تتحول تلك المشاريع إلى وسيلة ضغط على بلدان الخليج العربي.
تكثر العروض بين وقت وآخر، آخرها تصريح لسفير طاجيكستان في الكويت وإعلانه وجود برنامج لنقل المياه إلى دول الخليج وبعض الدول التي تعاني نقصاً في المياه، لأن بلاده تملك محطة كهرومائية ضخمة ومياه أنهار فائضة عن الحاجة.
لا شك في وجود أزمة عالمية بالمياه تتصاحب بسؤال عن كيفية ضمان الوصول إلى الموارد المائية الكافية لمواجهة الاحتياجات المتصاعدة، بسبب زيادة عدد السكان والتوسع في الاقتصادات، ومواجهة التغير المناخي، لذلك تزداد النقاشات بشأن الطرق المتبعة التي تتمثل إما بنقل المياه من المناطق ذات الفوائض الكبيرة إلى مناطق تعاني النقص أو من خلال «تحويلات المياه»، حيث يتم نقل كميات كبيرة من المياه ولمسافات طويلة من حوض نهر إلى داخل البلد نفسه، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك.