أسندت الدولة مهمة عملية اختبارات اللغة الإنكليزية واختبارات التخصص في مجال الهندسة والعلوم والقانون والمحاسبة إلى بعض معاهد ومراكز التقييم والقياس المتخصصة، فهل تقوم هذه المعاهد والمراكز فعلاً بقياس ما يجب أن يتم قياسه؟! وهل هذه المراكز والمعاهد شفافة بأداء مهامها الوظيفية؟! وهل هي عادلة ومنصفة كما تتطلب المادة 7 من الدستور «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين»، وكذلك المادة 8 التي تنص على «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»؟
خلال السنوات الماضية وبناءً على تقدم العديد من طلبة الثانوية العامة، خصوصا المتميزين منهم وأصحاب النسبة العالية (90% وما فوق) أوالخريجين بتقديرات «امتياز» (3.0-4.0 نقاط) لاختبارات اللغة الإنكليزية واختبارات التخصص يفشل معظم هؤلاء المتميزون باجتياز هذه الاختبارات التي تقيمها هذه الجهات في الوقت الذي يجتازها الأقل منهم نسبة في الثانوية العامة أو الخريجون والخريجات الأقل منهم تقديراً في مجال الهندسة والعلوم والقانون والمحاسبة! فهل هذه الاختبارات فعلاً تقيس ما يجب أن يتم قياسه؟ وما درجة اعتماديتها Credibility& Reliability؟! وهل هذه الاختبارات توضع علمياً وتصمم فنياً على أسس ومبادئ علمية وفنية سليمة وموثوقة؟!
لقد ضاع مستقبل بعض الطلبة المتفوقين وعانى معظم أولياء أمور الطلبة المتميزين بالثانوية العامة والخريجين والخريجات الحاصلين على تقدير «امتياز» من نتائج هذه الاختبارات على مدى السنوات الماضية، هذه المعاناة ليست معاناة نفسية للطلبة والخريجين فقط، بل معاناة مالية ونفسية لأولياء الأمور، إضافة إلى ذلك ظلم نتج عنه حصول الطلبة الأقل نسبة وتقديراً على القبول في جامعة الكويت أو الحصول على بعثات دراسية خارجية أو تعيين بعض الخريجين الأقل تقديراً في الوزارات والجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وبسبب سوء إدارة عملية تنفيذ هذه الاختبارات وعملية التقييم خسرت الدولة في المحصلة النهائية فرصة الاستفادة من المتفوقين في الثانوية العامة والخريجين المتميزين في مجال الهندسة والعلوم والقانون والمحاسبة، ولم ينتج عن ذلك ظلم للطلبة والخريجين والخريجات المتفوقين فقط، بل معاناة أسرية وخسارة وطنية وتنموية لموارد بشرية واعدة، فبعض الطلبة والخريجين وأولياء الأمور يتهمون هذه المعاهد والمراكز بسوء الإدارة وبعضهم الآخر يشك في تسريب هذه الاختبارات (تصريح عضو مجلس الأمة الدكتور حمد المطر في 9 مارس 2023) وكذلك ما ذكره الدكتور عادل الدمخي بتاريخ (29 أبريل 2024) في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي «شكوى مستحقة من المتقدمين لاختبارات knpc النفط للهندسة الكيميائية 28/29/ April 2024»، في حين يرى آخرون أن هذه الاختبارات متحيزة Biased وتعجيزية ولا تقيس ما يجب أن تقيسه!!
وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام والدراسة من المعنيين بالأمر ذكرها بعض الخريجين والخريجات أصحاب تقديرات الامتياز في تخصصات الهندسة والعلوم والمحاسبة الذين قدموا هذه الاختبارات بأن نتيجة اختبارهم تتراوح بين 56 أو 58 درجة عندما يكون المطلوب لاجتياز الاختبار 60 درجة، أو تكون نتيجة اختبارهم بين 66 أو 68 درجة عندما يكون المطلوب 70 درجة!! فهل ذلك مجرد مصادفة؟!! أم أنه إقصاء متعمد Intentional elimination؟ فهل تم استخدام الذكاء الاصطناعي AI في استبعاد بعض المتقدمين؟! أشك في ذلك! لذا يجب على الجهات الرقابية التدخل والتحقيق والتحقق من دقة نتائج هذه الاختبارات، خصوصاً أن هذه الجهات حسب ما يتم تداوله لا تنظر ولا ترد على طلب تظلمات بعض المتقدمين لهذه الاختبارات بالرغم من أن هؤلاء الطلبة والخريجين والخريجات يؤكدون صحة إجاباتهم واجتيازهم لهذه الاختبارات، فأين العدل والشفافية؟ وأين تطبيق القانون رقم 12 لسنة 2020 في شأن حق الاطلاع على المعلومات؟ أحد الخبثاء يقول لا أستبعد أن تكون بعض أجهزة الاختبار في معاهد ومراكز الاختبار في هذه الجهات مبرمجة ومصممة لبعض المتقدمين بطريقة خبيثة تكون جميع نتائج المتقدمين عليها لا تتجاوز عتبة النجاح، ولديها القدرة الفنية على تغيير الإجابات بطريقة ذكية، بحيث لا يستطيع المتظلم كشفها بسبب عدم وجود نسخة ورقية من الاختبار الحقيقي بخط اليد، حيث تم استغلال وتطويع التكنولوجيا في مزيد من التضليل والظلم والتلاعب في نتائج الاختبارات، وإيهام المتقدم للاختبار بأنه قريب من درجة النجاح! لكن لم يحالفه الحظ بالنجاح!! والحد من الأعداد الهائلة المتقدمة للوظيفة.
واذا صدق تحليل هذا الخبيث فإننا نعيش تحت رحمة مافيا اختبارات القبول في هذه الجهات وإننا سائرون بكل تأكيد نحو الهاوية في عصر التحول الرقمي Digital Transformation والذكاء الاصطناعي AI، وهذا يذكرنا بقصة العميل (الجاسوس) الروسي لصالح أميركا الذي تتلخص مهمته في تدمير الدولة السوفياتية من خلال القيام بتوظيف أغبى العناصر الروسية وأقلهم علماً وذكاء وخبرة وأسوأهم خلقاً في أعلى المناصب وفي الوقت نفسه دفن الأشخاص الأذكياء والمتميزين والموهوبين علمياً من خلال توظيفهم في مجالات ومناصب ووظائف تافهة لا تساهم في التطور العلمي أو التكنولوجي أو الاقتصادي للدولة الروسية، ويمنع وصول أي فرد لديه أفكار تنهض باقتصاد البلاد أو تدفع عجلة النمو أو تساهم في خلق مواطن منتج.
ونتيجة لما سبق ذكره يجب إعادة النظر في حوكمة وإدارة هذه المعاهد والمراكز التي تقوم بالإشرف على تنفيذ وإجراءات هذه الاختبارات، والتحقق من مدى شفافيتها وكفاءة وجودة إدارتها ونزاهة المسؤولين والقائمين عليها، لأن أغلب المتضررين من نتائج هذه الاختبارات هم من أفضل عناصر الموارد البشرية الوطنية من أبنائنا وبناتنا المتفوقين بالثانوية العامة وصفوة الخريجين والخريجات من أصحاب تقديرات «الامتياز» في مجال الهندسة والعلوم والقانون والمحاسبة وفي استبعادهم ظلم وحرمان للدولة من كفاءات وطنية واعدة ومتميزة.
وبدلاً من أن تكون هذه المراكز والمعاهد وسيلة عادلة وشفافة لاختيار أفضل المتميزين والموهوبين والمبدعين من أبناء الوطن وبناته أصبحت خطراً وعائقاً أمام مصداقية وشفافية وجودة عملية اختيار المتقدمين المتميزين والمتفوقين والموهوبين من الطلبة والخريجين.
هذه هي الملاحظات الأولية على الاختبارات التحريرية والتخصصية، أما موضوع المقابلات الشخصية التي تعقبها، فهذه قصة ورواية أخرى يطول شرحها! فالشفافية والحوكمة والمصداقية والموضوعية واجبة ومطلوب من هذه المراكز والمعاهد الالتزام بها.
ويحب أن أؤكد أن هذه الملاحظات لا تخص فقط المراكز والمعاهد الرئيسة المتعارف عليها، بل إن ذلك ينطبق على المعاهد والمراكز الأخرى المتخصصة التي تقوم بعملية الإشراف وتنظيم وتنفيذ اختبارات أخرى في العديد من التخصصات والمهن الفنية والتكنولوجية والقانونية والإدارية ولكن على مجال أضيق.
ويرى بعض المدافعين عن هذه المعاهد والمراكز بأن السبب في عدم اجتياز هذه الاختبارات من الطلبة المتفوقين والخريجين المتميزين هو سوء نظام التعليم ومخرجاته ونسب النجاح العالية المضخمة Inflated التي يحصل عليها طلبة الثانوية العامة والتقديرات العالية للخريجين، والتي لا تعكس ولا تعبر عن الواقع الفعلي للتحصيل العلمي لطلبة الثانوية العامة والخريجين.
لذا يجب على الجهات الرقابية المعنية في هذا المجال المتابعة والتدقيق التحقق والتحقيق والمساءلة لكل من يحاول عدم الالتزام بتطبيق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين التي كفلها الدستور ومحاولة التشكيك في مصير الأجيال القادمة وبقدرات الشباب الكويتيين المتفوقين والمتميزين، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإذا تم تدمير النظام التعليمي ونظم التقييم والقياس وميزان العدل والمساواة بين المواطنين فإن في ذلك عبث بالأمن الوطني الذي كفلته المادة 8 من الدستور.
ودمتم سالمين.