أبعد من الدوافع الأخلاقية
نُشر للعالم السياسي والأكاديمي الفرنسي (أوليفيه روا)، المعروف في الأوساط الثقافية والأكاديمية الفرنسية والأوروبية أيضا، مقالا في الخامس من هذا الشهر في صحيفة (اللوموند) الفرنسية يرى فيه أن مظاهرات الطلبة والشباب من أجل غزة في الجامعات الأوروبية والأميركية لا تتسم بطابع ثوري لكنها تنبع من دوافع أخلاقية بالدرجة الأولى.
ويرى الكاتب أن من يشارك في مظاهرات الطلبة والشباب احتجاجا على ما يجري في قطاع غزة هم من النخبة وليس في فرنسا فقط ولكن في الغرب عامة، وبخاصة في الولايات المتحدة على غرار المظاهرات والتجمعات التي جرت في جامعات معروفة مثل كولومبيا وهارفارد، كما يلحظ أن هذه المظاهرات لم تتصف بالعنف على خلاف مظاهرات الطلبة في فرنسا في شهر مايو 1968، فالمظاهرات التي جرت وتجري حاليا ليست ثورية، لكنها ذات دوافع أخلاقية يدين فيها الطلبة الأعمال البربرية التي تقوم بها إسرائيل في هذا القطاع في الوقت الذي يولون فيه اهتماما كبيرا بالمحكمة الجنائية الدولية وما سيصدر عنها، ونضيف إليها محكمة العدل الدولية والدعاوى التي رفعت أمامها والمداخلات التي قدمتها عدة دول عربية وغير عربية لتدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل المتهمة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ناهيك عن الرأي الاستشاري المطلوب أن تدلي به هذه المحكمة الدولية بخصوص الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
فمظاهرات الطلبة اليوم تعكس حسب الكاتب مواقف الشعوب المضطهدة التي تسعى إلى قلب الأوضاع السائدة، حيث يطالب الطلبة والشباب حكومات الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية باعتماد سياسات أكثر أخلاقية تهدف إلى مقاطعة إسرائيل نتيجة ما يعانيه سكان غزة.
ويخلص إلى أن القضية الفلسطينية في نظر هؤلاء الطلبة والشباب تحمل طابعا أخلاقيا وليس لها في الوقت نفسه أبعاد استراتيجية، وبشكل يحل هذا الطابع محل الطابع السياسي التي اتصفت به مظاهرات أخرى وفي أحوال مختلفة قادها الطلبة والشباب في أنحاء متفرقة في العالم وبدوافع استراتيجية سياسية.
مهما كان التوصيف الذي سنختاره ونطلقه على مظاهرات الطلبة والشباب في عدة مدن وجامعات أوروبية وأميركية إزاء ما يحدث في قطاع غزة من قتل وتدمير وتخريب وعلى مدار الأشهر الثمانية المنصرمة ولا يزال مستمرا، وهو مرشح للاستمرار بوتيرة العنف والوحشية والبربرية نفسها، فإن توصيف هذه المظاهرات والتعبئة الإعلامية والاجتماعية التي رافقتها لا تقتصر، حسب رأينا، على دوافع أخلاقية فحسب، بل تتسم بطابع إنساني عميق وصادق، وتمثل يقظة ضمير حية، وتظهر كمراجعة فعلية لعدد من القيم والمثل والمبادئ التي اعتقدت الدول الغربية أنها حريصة عليها وتدافع عنها، ولكن تقصيرها وتقاعسها وتورعها عن الاعتراف بالمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة شكك في مصداقة تعامل هذه الدول مع تلك القيم والمثل والمبادئ لتبقى شكلية وصورية في الحالة الفلسطينية، مع غياب واضح للإرادة السياسية الصادقة والفعلية لتطبيقها والالتزام بها إلا في حالات نادرة وقليلة تمثلت أحيانا في اعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين وتعاطفها مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم في فرنسا