الفلسطيني وحده مرة ومرات
يخوض الفلسطيني حربه وحربنا ضد الإبادة والتطهير العرقي الصهيوني وحده لا شريك له فيها سوى المقاومات العربية في لبنان والعراق واليمن، يموت الفلسطيني وحده ويضمد جراحه ويجوع وحده ويلملم أشلاء أهله ويكفنهم ويدفنهم وحده أيضا لا شريك له، يسير طويلاً بحثاً عن نقطة ماء أو كسرة خبز وحده، يمسح دمع أطفاله ودمعه ويمضي وحده أيضا، ويرسل الصور عبر وسائل التواصل، أي أنه يخوض حربه الإعلامية وحده أيضا، وكلما استُشهد طفل له أو طفلة يبحث عن هاتف هنا وهو يمسح دمعه، لكنه لا ينسى أن يصور طفله أو طفلته، ويرسل الصور عبر الفضاء لتصل إلى أولئك المعتصمين في جامعات بعيدة لا يتحدثون لغته ولا يعرفون خان يونس من رفح لكنهم لا يبرحون ساحات جامعاتهم رافعين الصوت عاليا «من النهر الى البحر» أو إلى أعضاء في حكومات وبرلمانات بعيدة جدا في حين حكومات وبرلمانات قريبة تلوذ بالصمت المطبق حتى آخر رمق!!!
يخوض الفلسطيني حربه الإعلامية وحده أيضا لا شريك له إلا بضع محطات تلفزيونية هنا وهناك ومواقع إلكترونية، أما الصهيوني فيعرف أن الحروب لا تحسم على الأرض وبالصواريخ فقط بل بالصور والسرديات، فهنا سردية لطالما «صدع» الصهيوني العالم بمناحة كئية تشبه المناحات الكاذبة، فلم تكن المحرقة هي أول ولا آخر المذابح في العصر الحديث والقديم، وليس اليهود وحدهم هم من تعرضوا لكثير من القهر والقمع الذي يمارسونه باحترافية الآن تفوق جلاديهم النازيين التقليديين في حين هم النازيون الجدد يبدعون في فن الإبادة.
ولأنهم يعرفون أن عليهم أن يكرسوا سرديتهم التي بدأت تتهاوى قطعة قطعة، وحكاية حكاية بعد السابع من أكتوبر بفضل الفلسطينيين وحدهم، فقد قاموا بكل ما يستطيعونه عبر جيوشهم الإلكترونية استخدام الذكاء الصناعي وكل ما توافر من وسائل كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن قيام وزارة شؤون المغتربين الإسرائيلية بحملة سرية بتكلفة تبلغ مليوني دولار بهدف التأثير على المشرعين، بل كل الرأي العام في الولايات المتحده لصالح سرديتها في حرب الإبادة الجماعية، فقد قامت شركة «ستويك» بخلق مئات الحسابات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر وكأنها أميركية مؤيدة لإسرائيل ومرسلة لكثير من خطاب الكراهية للعرب والمسلمين.
وهدفت الحملة، حسب النيويورك تايمز، إلى استمرار الدعم المالي من قبل الحكومة الأميركية لتمويل الجيش الإسرائيلي، الى جانب ذلك أنشئت ثلاثة مواقع إخبارية مزيفة باللغة الإنكليزية بمجملها تتضمن مقالات وتعليقات وآراء مؤيدة لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين واحتلالها لأرضهم.
هكذا يقف الفلسطيني وحده يواجه الصواريخ الأميركية والأوروبية الصنع وتطارده الطائرات دون طيار حتى غرفة نومه بل سريره في المستشفى، ثم ينفض حزنه سريعا ليواجه حربهم الإعلامية وحده أيضا، فقد قام الإعلام الإسرائيلي بعملية مقارنة بين وسائل الإعلام العربية خاصة المحطات التلفزيونية وكيفية تغطيتها للحرب على الفلسطينيين ليكشفوا كيف أنها، باستثناء القليل منها، تصب في السردية الصهيونية بل ربما تطلب من الجيش الإسرائيلي أن يقوم بما هو أكثر من الإبادة الحالية!!! اليس الإعلام الإسرائيلي هو من يفضح كثيراً من مخططات وخطابات العرب في اجتماعاتهم المغلقة وفي الغرف المعتمة؟ هم أيضا من يكشفون عن اللقاءات والوعود من قبل الحكومات العربية التي تطلق خطابا علنيا مخالفا تماما لما يجري في اجتماعاتهم مع المسؤولين الأميركيين أو الإسرائيليين أو الأمميين.
يقول ذاك المسؤول في الأمم المتحدة كم تفاجأ في الكثير من المرات عندما يكون هناك قرار مصيري حول فلسطين في مجلس الأمن، كيف يفاجئه بعض المسؤولين العرب بموقفهم المعارض له ومطالبتهم بالقضاء على السلطة الفلسطينية رغم خنوعها وضعفها، بل على كل القضية وهم يرددون فلننهِ الأمر ونقفل الملف الى الأبد!!!
هنا أيضا يقف الفلسطيني وحيدا يحارب في أروقة المنظمات الدولية على مختلف المستويات، ويقف معه كثير من شعوب الأرض الحرة إلا بعض «العبيد» من مسؤولين عرب ممن يملكون التأثير أو السيطرة على وسائل الإعلام العربية الشديدة الانتشار، لكنهم حتى هنا بقي موقفهم أكثر تخاذلا وضعفا وخنوعا بل إذلالا من أي موقف آخر، وهنا وعبر وسائل الإعلام العربية يتبين الموقف العربي على حقيقته، فلا تصدقوا بيانات الاستنكار والتهديد الخجولة بل صدقوا تلك المذيعة أو المذيع المتحدثين بلغة عربية سليمة جداً والمرددين خطاب الخنوع والتخويف من النهايات على الفلسطينيين واللبنانينيين وكل العرب ربما، أو حتى المشككين في قدرات المقاومة التي صمدت لأكثر من سبعة أشهر كما لم يصمد جيش عربي قيل عنه الكثير وتغزل في قدراته الكثيرون من التابعين!! يقف الفلسطيني وحده لا شريك له على كل الجبهات.
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية