فنانون: التكلفة الباهظة للدراما التراثية وراء غيابها
أكدوا لـ «الجريدة•» أن إنتاج هذه الأعمال يحتاج إلى مؤسسات رسمية
رغم عرض عشرات المسلسلات سنويا، فإن المسلسلات التراثية لا تزال عالقة في أذهان المشاهدين عند استذكارها، ففي الماضي حققت هذه الأعمال نجاحا منقطع النظير، مثل مسلسلات «الغرباء»، و«زمان الإسكافي»، و«علاء الدين» و«مدينة الرياح» و«الإبريق المكسور»، فكانت تقدّم رسالة ثقافية، وتخاطب جميع شرائح المجتمع، الكبار، والشباب، والأطفال لما تحتويه من قضايا ومواضيع إنسانية، إضافة إلى قربها من الواقع، فلم يكن المشاهد يشعر بالغربة حينما يشاهدها، لذلك كان يُقبل عليها، لأنها تمزج بين أجواء المجتمع والبيئة الخليجية ضمن أسلوب مميز.
فما سبب قلة أو توقّف هذا النوع من المسلسلات في الوقت الحالي، حيث سجلت الدراما التراثية غيابا عن الشاشات الحالية؟
«الجريدة» استطلعت آراء أهل الاختصاص من فنانين ومخرجين ومنتجين ومسؤولين، وكانت البداية مع الفنان جاسم النبهان، الذي قال إن المنتجين لا يريدون هذا النوع من المسلسلات، فهي تحتاج إلى كاتب متخصص، مضيفا: «كاتب يعرف يكتب مثل ما كنّا في الأول، كان في تلفزيون الكويت «سيناريست» في قسم التمثيليات، فهم مختصون بهذا النوع من النصوص، حيث يتم تحويلها إلى عمل تلفزيوني درامي ومتماسك، وهذه الأمور، حسب ما يقول المنتج، مكلفة، لكن هذا فقط كلام، فهم لا يريدونها، لأنّ فيها تعبا كثيرا، وتقصي القصة نفسها».
النبهان: المنتجون لا يريدون هذه النوعية من المسلسلات لأنها متعبة
وقال: نحن لدينا من أجواء تلك المسلسلات مثل مسلسل عرض في رمضان الماضي بعنوان «زمن العجاج» يتضمن «الحدوتة»، والقصة. وذكر النبهان أن إنتاج مثل هذه المسلسلات يجب أن يكون لدى وزارة الإعلام، مثلما كان في السابق.
تغيّر التفكير
وعند سؤال المنتج والمخرج صادق بهبهاني: لماذا لا نرى مسلسلات تراثية مثل «الغرباء» و«زمان الإسكافي»؟ «أجاب: «هذا الأمر كلنا ودّنا فيه، لكن أكيد النص هو المعضلة، إذا كان النص جيداً مثل زمان الإسكافي وبه أبعاد ممكن يستقبله ويعيش مع الجمهور، وكذلك مسلسل الغرباء، أما بالنسبة إلى علاء الدين والمسلسلات المخصصة جدا عن قصص الأطفال أو التراث الشعبي العربي والموجّه للأطفال، فأعتقد أن الطفل لا يحتاج إليها، لأن تفكيره أصبح غير،
بهبهاني: أعتقد أن النص معضلة كبيرة في الأعمال التراثية
فهو الآن يحتاج إلى إبراز هذه القصص كفيلم بلال الذي أنتجته السعودية، وكان على شكل أنيميشن، فطفل اليوم غير طفل الماضي».
فترات سابقة
أما الفنان عبدالناصر الزاير، فعند سؤاله عن عدم رؤيتنا مسلسلات تراثية مثل مسلسلي الغرباء، وعلاء الدين، وغيرهما، قال «هذه مسلسلات تراثية عرضت في فترات سابقة، وحققت نجاحاً كبيراً، وحاليا توجد مسلسلات تراثية عرضت أخيراً، مثل مسلسل سحلية بنت عديم، الذي عرض في رمضان الماضي، وهو من تأليف بندر السعيد وإخراج فهد الشطي.
الزاير: الغرباء» و«علاء الدين» وغيرهما أعمال عُرضت في فترات سابقة وحققت نجاحاً كبيراً
وأضاف: «لكل فترة زمنية أعمال وبرامج بعضها يحقق النجاح ويشكّل علامة بارزة لدى المشاهدين، وهكذا هي الحياة».
طبيعة الجمهور
من جانبه، قال الفنان والمخرج المسرحي عصام الكاظمي إن ما لاحظته أن هذه المسلسلات كانت تتبناها المؤسسات الرسمية لدول مجلس التعاون، ففي الكويت على سبيل المثال مسلسلات مثل الغرباء، وزمان الإسكافي، وديوان السبيل، فتلك الأعمال كان بها طابع وثيمة معيّنة لبعض الفنانين، فهم الذين كانوا يشجعون على تقديم مثل هذا النوع من الأعمال. وأضاف أنه في الوقت الحالي يمكن طبيعة الجيل الحالي، وطبيعة الجمهور الذين اعتادوا الدراما، وطريقة التصوير والإخراج يميلون إلى نوع آخر من الدراما، مضيفا: «هذا النوع من المسلسلات التراثية له جمهوره، وحتى من الأجيال الحديثة سيتفاعلون معها بشكل جميل، لذلك أتمنى أن يلتفت المنتجون إلى هذا النوع من المسلسلات، خصوصا أن إمكانات تصويرها سهلة مع توافر استديوهات داخلية».
تكلفة عالية
بدوره، قال الفنان ميثم بدر: «أعتقد أن تكلفة تلك المسلسلات أصبحت عالية جداً، والآن التطور بالمنصات، والتطور في الأعمال من ألوان، وجرافيك، وأزياء، أعتقد أن الأعمال في وقتها كانت التكلفة متوازنة وطبيعية، لكن حاليا أظن أن التكلفة عالية، لذلك أغلب الأعمال تذهب لـ «مودرن» وتصوّر في البيوت والمطاعم المتوافرة. أما الأعمال التراثية فتحتاج إلى تصنيع أزياء، وديكور، وتوفير كومبارس، وإكسسوارات»، مبينا أن تكلفتها عالية، لذلك قلّت الأعمال كثيرا في هذه الحقبة، واصفا إياها بالـ «جميلة والممتعة والمبطنة في الأفكار والذكية، وتتحدث عن أمور سياسية واقتصادية».
ميثم بدر:ب تكلفتها عالية جداً لأنها تحتاج إلى جرافيك وتصميم أزياء وديكورات خاصة
وعند سؤاله: هل يتمنى أن ترجع تلك المسلسلات؟ أجاب بدر: «أتمنى أن ترجع، وحتى الأعمال التراثية اجتهادات من منتجين كثر، وخلال الفترة الماضية يحاول المنتجون أن يقدموا التراثية المختلفة، لأنّ الجيل الحالي لا يقبل أن تضع له مركبا واحدا، بل يريد 10 مراكب، وخمسة آلاف كومبارس، يريد بيوتا، وعمقا، لافتا إلى ما يراه من تطورات في الدول المحيطة، وأيضا الدول الأجنبية، ومضيفا: «العين تأخذ عليه»، لذلك في أعمالنا التراثية فيها الزين، بينما أغلبها فقير في الإكسسوار والبيوت والفرجان.
اختلاف الأجيال
أما الفنان إبراهيم الشيخلي، فأكد أن سبب ندرة المسلسلات التراثية في الوقت الحالي يسأل عنه المنتجون والمؤلفون، لافتا إلى أن الجمهور كذلك تغيّر، حيث يرغب في القصص التي تعوّد عليها، كالتي تمثلها الفنانتان سعاد عبدالله وإلهام الفضالة، تلك القصص الإنسانية والاجتماعية، خاصة في ظل اختلاف الأجيال الحالية، وأيضا الكتّاب اختلفوا.
الشيخلي: المنتجون والمؤلفون يُسألون عن أسباب ندرة هذه الأعمال
وعن الذي يتمناه، قال الشيخلي إنه يتمنى تقديم أعمال فنية راقية، سواء من حقب تاريخية أو حالية، وأيضا مهما كانت الفئة العمرية التي يستهدفها العمل، مؤكدا أن الكويت رائدة في الأعمال الفنية، وأتمنى أن تستمر ريادتها في الفن.
غباش: المسلسلات الحديثة أو الكوميدية أقل تكلفة
كشف مستشار قطاع المحتوى في مؤسسة دبي للإعلام، عمر غباش، أن قلة المسلسلات التاريخية في الوقت الحالي تعود إلى قرارات المؤسسات الإعلامية حول الخريطة البرامجية، فضلاً عن أن الأعمال الفنية التاريخية تكون كلفتها عالية أكثر من مسلسلات العادية «المودرن» أو الكوميدية، لذلك، فإن المؤسسات الآن وشركات الإنتاج تحرص على تقليص تكليفها. وأضاف أن الجمهور ليست لديه مشكلة في مشاهدة «نتفليكس»، حيث المسلسلات والأفلام التاريخية أو المسلسلات السابقة، فليست لدى المشاهدين مشكلة، وإنما المشكلة عند المؤسسات المنتجة للأعمال الفنية.
من جانبها، قالت د. نجوى عانوس إن ندرة المسلسلات التاريخية في الوقت الحالي ترجع إلى صعوبتها كأعمال فنية، خاصة أنها تحتاج إلى دراسة تاريخية للأحداث والتواريخ، فضلاً عن ضرورة أن يكون الممثل قادرا على أن يجيد اللغة العربية الفصحى، وكذلك الإخراج يكون على درجة عالية من المهنية، وأن يكون الإنتاج قادرا على إنفاق المبالغ الباهظة لكي يستطيع تجسيد الحقب التاريخية السابقة.
وأضافت أن الجمهور لا يُقبل حالياً على المسلسلات والأعمال التاريخية بوجه عام، لأنه يُفضل على مشاهدة الكوميديا لكي تنفّس عنه الهموم. وذكرت أن ديكور المسلسلات الاجتماعية يكون بسيطا عبارة عن «شقة، بيت، ..... الخ»، بينما العمل التاريخي يحتاج إلى وقار التاريخ واللغة العربية الفصحى، وهو ما يجعل المسلسلات التاريخية مكلفة جداً في الإنتاج.