الفساد ينمو ويربو ويتكاثر كالفطر في الأرض الرطبة عندما يغيب الحزم عن ملاحقته والاقتصاص من أصحابه، ولا مهرب ولا خلاص من الفساد من دون حزم، فمن أمِن العقوبة أساء الأدب وتمادى، وعاث في الأرض فساداً، فالتهاون في عقاب الفاسد يشيع الفوضى، ولن تهنأ أي أمة بالأمان والطمأنينة من الفساد من دون أن يسود فيها القانون على الجميع، على الكبير قبل الصغير.

فعندما غاب الحزم وفرض التهاون نفسه على البلد لسنوات طوال عجاف كثرت سرقات المال العام، وزادت التعديات على أملاك الدولة، وعمَّ التزوير بكل أنواعه وأشكاله في البلاد، وتغلغل في معظم مفاصلها، وأصبح المزورون في أغلبهم من أصحاب الحل والربط، ولم يعد النزيه يعرف مَنْ هو الخبيث من الطيب إلا مصادفة عندما يختلف الفاسدون والسُّراق والمزورون.

Ad

غاب الحزم لعقود، فانتشر الغش بين الكثيرين، إلا مَنْ رحم الله، فتمادوا في تزوير ليس له حدود، زوَّروا في كل شيء، في اللحوم، في رخص القيادة، في الهوية الوطنية، في الشهادات الدراسية، في المرض والتمارض، وفي الحضور والغياب، حتى شهادات المعاقين والطب النفسي زوَّروها. التزوير أصبح سمة من سمات البلد، وضع محيِّر، وظاهرة مدمرة لا يمكن تصورها ولا تخيل مدى تفشيها.

أما الرشوة، فهي البلاء الأعظم، فقد أصبحت أمراً لابد منه، فهناك الراشي والمرتشي والرائش، والرائش هو الوسيط بين الراشي والمرتشي. المحيِّر أننا كثيراً ما سمعنا عن القبض على مرتشين، لكننا لم نسمع عن عقاب راشٍ أو رائش، فهذان الفاسدان هما أساس انتشار الرشوة، وتخريب الذمم، وشراء الولاءات، وهما من خلقا ظاهرة «القبيضة» التي نشرها حيتان الفساد بين «نوائب أمة» ومتنفذين فاسدين.

أما ظاهرة الغش، فقد وصلت إلى حد الخطر على البلاد، ومع أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «من غشنا فليس منا»، إلا أن عشرات الآلاف من الطلبة غشوا بمعرفة أهاليهم المسلمين، ولم يكتفوا بذلك، فقد دافعوا عنهم وخرجوا في مسيرات مع «نوائب أمة» مسلمين أيضاً، وفي معظمهم ملتحون، يطالبون بعدم عقابهم، مع أن الغش فساد، وهذا الفساد أدى إلى مخرجات تعليمية متردية وفاشلة بتفوق زائف تسربت إلى مفاصل الدولة، كما تسرب المزورون والمرتشون.

الآن هناك تفاؤل شعبي طاغٍ، فهناك حملة إصلاحية تصحيحية قائمة على قدم وساق بأمر من سمو أمير البلاد، وهناك، كما هو معلن وبائن، حزم وعزم على محاربة الفساد والتزوير بكل أشكاله، وهناك تأييد لا مثيل له لذلك التوجه، يقابله رفض وصراخ، بل وحرب ضروس ومؤامرات ودسائس من أساطين الفساد ومن المتضررين من الحملة التصحيحية المباركة، ولكن طالما أن ربان السفينة قد عقد العزم، وما دام كل مَنْ حوله سائرين على دربه، فلا ضير من عويلهم، فصراخهم على قدر ألمهم.