لجأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التلويح بورقة غير اعتيادية لتشديد ضغوطها، المحسوبة بعناية شديدة، من أجل تليين موقف الائتلاف اليميني المتشدد الحاكم في إسرائيل تجاه قبول خريطة الطريق التي طرحتها أخيراً بشأن تبادل المحتجزين مع حركة حماس، ووضع بداية لنهاية حرب غزة المتواصلة منذ 249، كاشفة أنها تدرس إمكانية إبرام صفقة أحادية مع الحركة الفلسطينية لإطلاق سراح 5 محتجزين أميركيين في القطاع المحاصر.

فتية فلسطينيون داخل مبنى مهدم في مخيم النصيرات وسط غزة أمس (أ ف ب)

Ad

ونقلت شبكة «إن بي سي» الأميركية، أمس، عن «مسؤولين مطلعين» في إدارة بايدن قولهم إن مثل هذه الخطوة والمفاوضات التي ستصاحبها لن تشمل إسرائيل، وسيتم إجراؤها من خلال وسطاء قطريين، كما في المفاوضات الحالية، الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بين «حماس» وإسرائيل لوقف القتال في غزة وتبادل الأسرى.

وأشارت الشبكة إلى أن المسؤولين لا يعرفون ما الذي قد تقدمه واشنطن للحركة، المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، مقابل إطلاق سراح المحتجزين الأميركيين، لكنهم قالوا إن «حماس» قد يكون لديها حافز لعقد صفقة أحادية مع الولايات المتحدة، لأن ذلك سيزيد على الأرجح من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما سيفرض ضغوطا سياسية داخلية إضافية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بات محاصرا بالانتقادات الداخلية، غداة انسحاب الوزير اليساري بيني غانتس، وزميله ايزنكوت، من حكومة الحرب المصغرة، ودعوتهما إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وذكر أحد المسؤولين الأميركيين أن فكرة محاولة التفاوض على اتفاق بين إدارة بايدن و«حماس» تظل «خياراً واقعياً جداً» حال فشل المقترح الأميركي الحالي في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وفي وقت تمثل فرضية الشروع في تفاهم مستقل مع «حماس» عصا غليظة بمواجهة الائتلاف الحاكم، الذي يخشى من زيادة انجرافه باتجاه سياسات يمينية أكثر تطرفاً، أوضحت «القناة 13»، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين، أن الدولة العبرية وافقت على مطلب أميركي لتسجل تعهدات في ورقة رسمية، قد يوقعها وزير الدفاع، بعدم استخدام ذخائر معينة في مناطق المدنيين، وفي رفح تحديدا، لتسهيل حصول تل أبيب «قريبا» على شحنة سلاح ضرورية كان البيت الأبيض قد علقها في وقت سابق.

وجاء كشف الخطوة بعد ساعات من دعوة واشنطن مجلس الأمن إلى التصويت على مشروع قرار أميركي، تم تعديله للمرة الثانية، بهدف دعم خريطة بايدن المطروحة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف كامل وفوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، رغم الاعتراضات الإسرائيلية العلنية بشأنه.

وفي حين ينص المشروع المعدل على الترحيب باقتراح «وقف إطلاق النار المعلن من قبل بايدن في 31 مايو الماضي وقبلته إسرائيل»، ويدعو «حماس» إلى قبوله، حث القيادي بالحركة سامي أبوزهري الولايات المتحدة على الضغط على حليفتها لإنهاء الحرب.

ويرفض مشروع القرار المعدل أي محاولة للتغيير الديموغرافي أو الإقليمي في القطاع. ويرحب القرار، الذي لا يعرف ما إذا كان سيحصل على دعم الصين وروسيا أما لا، باستعداد أميركا ومصر وقطر للعمل لضمان استمرار التفاوض حتى التوصل إلى كل الاتفاقات بشأن الترتيبات المستقبلية.

جولة وتفاهم

في موازاة ذلك، استهل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة جديدة في المنطقة تشمل مصر والأردن وقطر وإسرائيل، للدفع قدما بـ«خريطة بايدن»، من القاهرة، حيث التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وقال بلينكن، مخاطبا حكومات المنطقة قبل مغادرته القاهرة، «إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار فاضغطوا على حماس لتقول نعم» لمقترح الهدنة، مضيفا أن «الغالبية الساحقة من الناس، سواء في إسرائيل أو الضفة الغربية أو غزة، ترغب في مستقبل يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون في أمن وسلام».

وذكر مسؤول من «حماس» أن تصريحات بلينكن حول وقف إطلاق النار متحيزة لإسرائيل ومواقفه عقبة حقيقية أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

عقب ذلك انتقل بلينكن إلى تل أبيب للقاء نتنياهو ووزير الدفاع يوافي غالانت، لإقناعهما بالانخراط في تنفيذ خريطة بايدن التي يراهن عليها البيت الأبيض، من أجل إمكانية تحقيق الهدوء في غزة، إضافة إلى الحدود الشمالية لإسرائيل مع «حزب الله»، وتهيئة الظروف لاستمرار التكامل بين إسرائيل وجيرانها العرب.

كما التقى الوزير الأميركي زعيم المعارضة يائير لابيد على وقع الهزة السياسية التي تعيشها الدولة العبرية جراء انسحاب بيني غانتس وغادي ايزنكوت من مجلس الحرب، وعلى خلفية انتقادات إسرائيلية حادة للأول بزعم عدم تحركه «وراء الكواليس» لمنع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لفرض أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.

خلافات داخلية

وبالتزامن مع وصول بلينكن، تزايدت موجة الانتقادات التي تحاصر نتنياهو على خلفية استقالة غانتس وايزنكوت، مع تصاعد الدعوات إلى ضرورة اجراء انتخابات مبكرة. وقال مسؤولون إسرائيليون بارزون في محادثات أمنية مغلقة، أمس، إن «رئيس الوزراء يتصرف 180 درجة بعيدا عن المصلحة الوطنية».

وفي حين تمثل تعليقات المسؤولين الإسرائيليين ضغوطاً إضافية على نتنياهو، قد تجبره على اتخاذ قرارات كان يرفضها سابقاً، اعتبر رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان أن «لدينا رئيس وزراء غير كفء، لذلك لا فائدة من الانضمام إلى الحكومة الحالية». وكان نتنياهو هاجم غانتس قبل إعلان استقالته، وقال إنه مستعد لتوسيع الحكومة.

كما شهدت جلسة للجنة المالية في البرلمان «الكنيست» مشادة كلامية وتلاسنا بين الوزير المتطرف سموتريتش وأهالي بعض المحتجزين في غزة.

ووصف الوزير أهالي المحتجزين الذين طالبوا بصفقة فورية للإفراج عن أبنائهم بأنهم «ساخرون»، وقال: «أيها الشعب اليهودي، هذه معضلة صعبة، سوف نقلب كل حجر في غزة لإعادة المحتجزين، لكننا لن ننتحر بشكل جماعي من أجل إعادتهم».

كما عقدت جلسة صاخبة في البرلمان للتصويت على قانون مثير للجدل يرمي إلى منع تجنيد «الحريديم» (اليهود المتشددين) في الجيش، وسط تقارير عن استعداد وزير الدفاع يوافي غالانت للتصويت ضده.

وأمس الأول، برر غانتس عودته إلى صفوف المعارضة بأن نتنياهو «يمنعنا من التقدم نحو تحقيق النصر الحقيقي» بعد 8 أشهر من الحرب، فيما أعلن قائد فرقة غزة في الجيش، العميد آفي روزنفيلد، استقالته من منصبه وإنهاء خدمته العسكرية، في أعقاب فشله في صد هجوم «حماس».

ضحايا ودمار

ميدانياً، تواصلت الاشتباكات المتقطعة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي بعموم القطاع، فيما شن الطيران الحربي سلسلة غارات عنيفة على عدة مناطق بشمال ووسط وجنوب غزة، بما في ذلك رفح المتاخمة للحدود المصرية، حيث ارتفعت حصيلة الحرب إلى 37124 قتيلا.

وبينما حذرت «الأونروا» من أن مستوى الدمار في غزة كبير جدا، وقالت إن 20 عاما ليست كافية لإعادة إعمار القطاع جراء العدوان الذي تسبب في تدمير نحو 55% من منشآته، أعلن الجيش الأميركي استئناف إسقاط المساعدات الإغاثية من الجو على شمال غزة، بعد توقف مؤسسات دولية عن تقديم الإمدادات الأساسية عبر الرصيف البحري لأسباب أمنية.

وعلى صعيد الاضطرابات التي تشهدها الضفة الغربية، قتلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي شابين بالرصاص، خلال اقتحامها مناطق في طولكرم وطوباس.