بيد من حديد
بعد جريمة تسريب أسئلة امتحان التربية الإسلامية، صرح وزير التربية بأنه «سيضرب بيد من حديد، للمحافظة على المنظومة التعليمية» (والله يزيد النعمة على هذه المنظومة).
وابتدأت اليد الحديدية بمطبعة الوزارة، ثم دخلت على الخط وزارة الداخلية التي أعلنت فيما بعد، بالتعاون مع «التربية»، القبض على مجموعة من أربعة أشخاص متهمين بتسريب مادة الاختبار.
البركة كانت لـ «اليد من الحديد» التي أنهت الحيرة والشكوك عن فوضى تسريبات الامتحانات، وهي مجملاً واحدة من تسريبات كثيرة حدثت في الماضي، رغم أنف «غراندايزر» صاحب القبضة الحديدية، منذ سنوات، مثل تسريبات في الديزل، ثم تسريبات كثيرة بالأموال العامة من صندوق الجيش الذي أدين فيه مسؤولون كبار بحُكم قاطع، رغم نفي الزميل عبداللطيف الدعيج التامّ لكل حكايات سرقات المال العام، من الناقلات إلى الاستثمارات إلى الإيداعات والتحويلات، والمسلسل طويل، وتبييض الأموال، التي ربما يتصورها صديقي عبداللطيف أنها كلها حكايات وهمية مستوحاة من فيلم «إشاعة حب» من غير عمر الشريف ولا سعاد حسني، ويطلب منّا الزميل، بالتالي، نسيانها.
الموضوع المثير هنا، يد «غراندايزر» الحديدية، التي دخلت الأدبيات الرسمية الكويتية على ما نذكر أيام الراحل الشيخ سعد العبدالله، وعبارة «سنضرب بيد من حديد» كانت تصاحب تصريحات المسؤولين الكبار عند حدوث فضائح أمنية أو غيرها في الإدارة العامة وما أكثرها، ولا بدّ عندها من تصريح من مسؤول كبيرة يهدد ويتوعد ويثير الرعب الرادع ليس في نفوس الجناة، بل بكل من تسوّل له نفسه العبث بأمن الوطن وسلامته، رغم أن القانون لا يحاسب على أحاديث النفس، وإنما يجرّم حين تدخل الجريمة الفعل التنفيذي، أما وسوسة النفوس فلا عقاب عليها.
نتمنى - وليس لنا غير التمني وتوسلات الرجاء المدجّنة التي أضحت صحافتنا ووسائل التواصل الاجتماعي تضج بها، مع موجات مضحكة لدرجة البؤس في ثرثرة التطبيل والتهليل وكَيْل المديح لأصحاب السيادة - أن يوجه معالي وزير التربية اليد الحديدية لمناهج التعليم الببغاوية التي تقوم على الحفظ والتلقين، بدلاً من الفكر النقدي الحر الذي يولّد الإبداع، نحلم بإعادة مناهج الفلسفة والموسيقى في التعليم، فمن غيرهما لا يوجد فكر حر ولا ذوق روحي إنساني، نتمنى أن تنظر الوزارة في كفاءة المعلم وقدراته، وبالأخص ندرة المعلم الكويتي في المواد العلمية، مقابل المواد الأدبية وخريجي «حلوان» في التربية الرياضية.
ملل كبير أن نعيد التذكير بأن الاستثمار الحقيقي للدولة لن يكون بغير الاستثمار في العقل الإنساني، في الإنسان المنتج المبدع، هذا الاستثمار الحقيقي لا يقوم على نتائج غريبة عن نسب نجاح فائقة تجاوز فيها الكثير جداً من الطلبة والطالبات في اختبارات الثانوية العامة نسبة التسعين بالمئة في بلد العباقرة.
ننتظر الكثير من اليد الحديدية، وقبلها العقل الإنساني الواعي، في تغيير مسار هذه الدولة، نريد أن نراها على أرض الحقيقة والواقع، وليس بتصريحات غراندايزرية.