أظهر الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة المقررة في 28 الجاري لاختيار خلف للرئيس إبراهيم رئيسي الذي قضى بتحطيم مروحيته الشهر الماضي، الذين صادق على ترشيحهم مجلس صيانة الدستور، أن المرشد الأعلى علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في تركيبة نظام الجمهورية الإسلامية، يخطط لأن تكون الانتخابات حامية على عكس السابقة في 2021 التي قُدمت على طبق من ذهب لرئيسي.

وكشف مصدر في مكتب خامنئي لـ «الجريدة»، أن «صيانة الدستور» صادق على ترشيحات كل من علي رضا زاكاني، ومحمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، وجميعهم ينتمون إلى التيار الأصولي، إضافة إلى مرشح أصولي آخر لم يذكر اسمه.

Ad

وأكد المصدر أن خامنئي، لدى تلقيه قائمة الأسماء، حذف اسم المرشح الأصولي الذي لم تُعرَف هويته، وأضاف اسمي مصطفى بور محمدي الذي ينتمي للتيار المحافظ المعتدل، ومسعود بزشكيان الذي ينتمي للتيار الإصلاحي.

وبدا من هذه الخطوة أنه على عكس مساعي «صيانة الدستور» لأن تكون الانتخابات نوعاً من المنافسة بين المرشحين الأصوليين، فإن خامنئي فضّل هذه المرة تغيير الصيغة، ربما لأهداف مستقبلية تتعلق بضرورة إجراء تغييرات على سياسات البلاد.

ومنذ انتصار الثورة في إيران، اعتادت طهران إجراء مثل هذا التداول على السلطة بين مجموعات مختلفة، وعادة ما يكون هذا التغيير مرتبطاً بتركيبة السياسة الأميركية، وهوية الرئيس المقيم في البيت الأبيض.

فعندما تريد طهران الدخول في مفاوضات مع واشنطن يصل الإصلاحيون إلى السلطة، وعندما تختار تقليص سياساتها تجاهها يذهب الحكم للمحافظين.

ويستبعد مراقبون إمكانية تحقيق مصطفى بور محمدي، الذي عمل في حكومات محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، نتائج جيدة في الاقتراع، نظراً إلى أنه لا يحظى بشعبية.

ولم يكن مسعود بزشكيان، الذي شغل منصب وزير الصحة في حكومة الإصلاحي خاتمي ووصل إلى البرلمان في عدة دورات انتخابية عن مدينة تبريز ذات الأغلبية الآذرية، يحظى بأي شعبية على مستوى وطني قبل نحو عام ونصف، لكن اختلف ذلك بعد أن ذاع صيته حينما وقف في البرلمان ودافع عن الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد بعد مقتل مهسا أميني.

وكان بزشكيان النائب الوحيد، الذي استمر في انتقاد شرطة الأخلاق وقمع الاحتجاجات بالقوة في وسائل الإعلام المحلية، في حين فضّل باقي النواب الصمت.

وتسبب هذا الأمر في رفض «صيانة الدستور» ترشحه لانتخابات البرلمان الأخيرة التي جرت في مارس الماضي، لكن خامنئي تدخل مباشرة لإعادته، وانتقد «صيانة الدستور»، ما دفع الأخير لإعادة المصادقة على ترشحه قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع، أملاً في تقليص فرصه للفوز، لكنه على عكس ذلك حصل على أعلى نسبة أصوات في تبريز.

ويعول بزشكيان على أصوات الآذريين الذين يشكلون نحو 40 في المئة من الشعب الإيراني، ويعتبرون متعصبين جداً لأي مرشح ينتمي إلى قوميتهم.

وفي الوقت نفسه، بدأ الإصلاحيون حملة إعلامية واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي لمصلحة بزشكيان، الذي يمتلك ميزة أنه المرشح الوحيد للتيار الإصلاحي، وهو ما يساعده على اجتذاب أصوات الرماديين الذين يشكلون نحو 60 في المئة من الناخبين.

في المقابل، يواجه الأصوليون انقسامات حادة، خصوصاً بعد انتخابات مجلس الشورى، التي تحولت إلى معركة كسر عظم، بين رئيس المجلس الحالي قاليباف وجليلي الذي ينتمي إلى الجناح المتشدد وأنصار حكومة رئيسي.

ويعد قاليباف المرشح الأوفر حظاً للفوز بأكبر عدد من أصوات الأصوليين، ويحظى بمسيرة عملية تنفيذية قوية جداً، لكنه ملاحق باتهامات الفساد التي أشعلها الصراع بين مراكز القوى المختلفة داخل التيار الأصولي. وبحسب بعض الاستطلاعات، فإن جليلي لا يمكنه أن يحظى بأكثر من 6 في المئة من أصوات الناخبين، في المقابل يعتبر قاضي زاده هاشمي «مرشح غطاء»، وهو عادة ما ينسحب في اللحظات الأخيرة لمصلحة المرشح الأصلي.

أما علي رضا زاكاني، الذي يشغل منصب رئيس بلدية طهران، فيعتبر من أكثر الأشخاص المكروهين داخل إيران، خصوصاً بعد توظيفه الآلاف من الباسيج لفرض الحجاب الإجباري على الإيرانيات في الأماكن العامة التابعة للبلدية مثل المترو.

وما زاد من كره الناس لزاكاني إصراره على تخريب حدائق عامة تاريخية، وقطع أشجار يزيد عمرها على مئة عام بحجة بناء مساجد.

ومن هنا يمكن القول إن الانتخابات المقبلة ستكون واحدة من الانتخابات الرئاسية الحامية، لأن الإصلاحيين سيستميتون للوصول إلى الحكومة، وبزشكيان لديه الكاريزما اللازمة لجذب الجمهور الرمادي، ولكن أياً من المرشحين الذين يمكن أن يفوزوا في الانتخابات لن يكون لديه فرصة ليصبح خليفة للمرشد، لأنه لا يوجد بينهم منَ لديه الكفاءات العلمية الدينية الكافية لهذا المنصب، وعلى الرئيس المقبل أن يعمل فقط لأجل العمل الحكومي ولا يفكر في منصب المرشد أبداً، وربما هذا الأمر كان أحد أهم الأمور التي كان خامنئي يريدها، لأن الرؤساء الذين يطمحون إلى منصب المرشد لا يدخلون في مشاريع إصلاحية ولا يواجهون مافيات الفساد ومراكز القوة أملاً في نيل دعمهم للفوز بمنصب المرشد.