إحدى المشكلات العويصة التي واجهت منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها عام 1964 هي موضوع التمويل المرتبط بالفساد السياسي الذي طال عدداً كبيراً من القيادات التي توالت عليها، وتعاظم أمرها بعد أن صارت «السلطة الوطنية» هي المرجعية التي تتحكم في الداخل والخارج.

مناسبة الكلام كانت حديثاً شيقاً مع عدد من الأصدقاء لهم باع طويل في العمل الوطني الفلسطيني وعلاقات ممتدة إلى زمن الستينيات من القرن الماضي في الكويت.

Ad

الحوار كان حول دور شخصية د. ربحي حلوم الذي أطلق عليه البعض اسم «رجل الـ5%» وله إسهامات كبيرة في بناء دائرة الإعلام بإمارة دبي عند تأسيسها، وأنه كان وراء موافقة الشيخ راشد آل مكتوم وإقناعه باقتطاع 5% من رواتب الفلسطينيين العاملين هناك وتحويلها إلى حساب منظمة التحرير، وقيل إنه دفع ثمن موقفه هذا بأن أصدر الحاكم البريطاني أمراً بإبعاده وترحيله إلى بيروت.

قصة الـ5% أثارت الشجون وتعددت الآراء حولها، ومنهم من اعتبر أن الأمر هكذا فيه مبالغات كبيرة لأن الحقيقة غير ذلك، فأول دولة عربية فرضت الـ5% للصندوق القومي الفلسطيني هي الكويت، وذلك بقانون صدر من مجلس الأمة، وتقدم به النائب ناصر العصيمي، أما من كان صاحب فكرة الـ5% فهو أحمد الشقيري رئيس أول منظمة تحرير فلسطينية الذي طلبها من أمير دولة الكويت المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح عام 1964 مدونة وقائعها في مذكرات الشقيري نفسه (الأعمال الكاملة).

يروي في أحد أجزاء الكتاب كيف فاتح الملك فيصل آل سعود، رحمه الله، في موضوع الـ5% ومكتب للمنظمة في الرياض، ويقول «كنت صادقاً في بعض ما قلت، وكاذباً في البعض الآخر، وهذا هو بلاء القضية الفلسطينية مع الدول العربية، وكان الملك فيصل نفسه هو الذي أثبت كذبي حين أثنيت على موقفه، فلم تمض بضعة أسابيع على زيارتي للرياض حتى سمح للهيئة العربية العليا أن تفتح لها مكتبين، في جدة والرياض، وأن تستوفي من الفلسطينيين في السعودية تبرعات مالية».

المهم أن الشقيري توجه بعدها إلى الكويت، واجتمع بالشيخ عبدالله السالم والشيخ صباح الأحمد والشيخ جابر الأحمد وشرح لهم مطالبه، فوافقوا على إنشاء مكتب لمنظمة التحرير هنا، وعلى دفع الالتزامات المالية المقررة من مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الإسكندرية، أما ضريبة التحرير فيجب أن يصدر فيها قانون من مجلس الأمة بحسب الدستور. وبالفعل هذا ما حصل وتمت الموافقة عليه، ثم قام الشقيري بعقد مؤتمر صحافي أثنى فيه على الكويت، ولم يتخلف فلسطيني واحد من السبعين ألفا الموجودين هنا عن الدفع، تجاوزت الحصيلة 50 ألف جنيه في الشهر.

تلك الرواية كان أحد الحضور من الأصدقاء معاصراً لها في فترة ما، ويعمل لدى شركة محمد عبدالمحسن الخرافي وكانت من أولى الشركات في القطاع الخاص التي طبقت اقتطاع نسبة الـ5% من الراتب الأساسي، أي 3% من الراتب الشامل وكان الخصم اختيارياً، التزم به جميع الفلسطينيين العاملين في الشركة.