إدراج «البيوت الاستثمارية» في البورصة... تطور وقصور!
نشرة الاكتتاب عرضت المخاطر بشفافية... والنطاق السعري مستحق مع مزيد من الحوكمة
• يُخشى أن يصبح تخفيف مسألة الإدراج في السوق الأول «جائزة» لا استحقاقاً
شهدت بورصة الكويت خلال الأسبوع الجاري حدثاً مهماً تمثّل في إدراج شركة مجموعة البيوت الاستثمارية القابضة في السوق الأول بكل ما يترتب على هذه العملية من تبعات لا تنحصر في ثنائية الإيجابية والسلبية، بل بمدى ما يترتب على عملية الإدراج من حوكمة ومهنية في السوق المالي ومكوناته من مستثمر الى مشغّل الى مراقب، وهي مناسبة مهمة ليس لطبيعة عمل الشركة أو نتائجها، فهذا اختصاص المساهمين، إنما بما تحققه من تطور لمهنية البورصة أو تكشفه من قصور يتطلب التدخل والمعالجة.
لضمان عدم تعارض المصالح من الأفضل توزيع مهام إدارة الاكتتاب ومستشار الإدراج والمستشار المالي على عدد أكبر من الشركات والمستشارين
فإدراج شركة البيوت الاستثمارية الذي يُعد الأول من نوعه منذ عامين، والسادس منذ خصخصة البورصة قبل 10 سنوات، فتح الباب لتساؤلات عديدة حول تخفيف معايير الإدراج والحوكمة في إدارة الاكتتاب وحيادية تقييم النطاق السعري الذي يطبّق لأول مرة في البورصة، وهو تطور يُحسب لمنظومة السوق ومدى تعارض المصالح في القيام بأدوار مدير الاكتتاب ومستشار الإدراج والمستشار المالي في وقت واحد.
نشرة الاكتتاب
وفي الحقيقة، فإنّ كل عملية إدراج في البورصة تحتوي على فرص لتعزيز المهنية، فمثلا كانت النشرة الخاصة باكتتاب البيوت الاستثمارية أكثر شفافية من أي اكتتاب آخر من جهة عرض المخاطر التي تكتنف النشاط والاستثمار في الشركة على المدى الطويل من تكنولوجيا وتقلّب عملات وتوريد عمالة وتعاقدات مقاولين وأوضاع الشركات التابعة، وغيرها من المخاطر التي كانت خلال إدراجات سابقة يصعب أن تورد في نشرة الاكتتاب.
النطاق السعري
في المقابل، كان تحديد النطاق السعري للاكتتاب بين 480 و500 فلس للسهم الواحد، ثم الإدراج في يوم التداول الأول بعائد لا يتجاوز 3 بالمئة - أقل عائد لسهم مدرج في تاريخ البورصة - مناسبة لتقييم التجربة ليس في سعر السهم فقط إنما في الحاجة لمراجعة تولي شركتين مهام مدير الاكتتاب وتنسيق الطرح (إحداهما خليجية للتسويق خارج البلاد) وشركة واحدة لمهام التنسيق ومدير الاكتتاب أيضا، الى جانب مستشار الإدراج والمستشار المالي والاستثمار، لا شك في أن ذلك أثار تساؤلات حول مدى حيادية إدارة الاكتتاب اذ من الأفضل على مستويات الحوكمة والحيادية والشفافية أن يتم توزيع هذه المهام على عدد أكبر من الشركات والمستشارين بحيث من يتولى على الاقل مهمة التقييم لسعر السهم العادل لا يشارك في عملية التسويق والاكتتاب لضمان عدم تعارض المصالح.
شروط تأهيل الشركات إلى «الأول» عالية المهنية والحصافة مما يجعل الحاجة للجوء إلى «الاستثناء» في أضيق الحدود
صحيح أن المستثمر يشتري أي سهم لتوقعات أطول على المديين المتوسط والطويل، لكن في المقابل يجب أن يحتوي النطاق السعري للاكتتاب على ميزة تفضيلية للمكتتبين كي يكون جاذبا للاستثمار، مما يتطلب تقييمه من جهة او جهات مستقلة لا علاقة لها بالاكتتاب أو إدارته لئلا يؤثر سلبا على جاذبية أي اكتتاب قادم طالما حاولت إدارة شركة بورصة الكويت لجذب العديد من الشركات العائلية والتجارية، فعائد 3 أو 5 بالمئة لا يمكن أن يكون جاذبا كفرصة استثمارية.
وفي كل الأحوال يظل اعتماد النطاق السعري بما يتيح المجال لو جزئيا للمكتتبين تسعيير سعر السهم خطوة جيدة في أعمال البورصة أفضل من التسعير المباشر من مدير الاكتتاب، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التطوير والتقييم في الاكتتابات القادمة.
السوق الأول
ولعل ما أعلنته بورصة الكويت بشأن تحسين «قواعد ومتطلبات الإدراج للتكيف مع مختلف أحجام الشركات، وخاصة الشركات العائلية وشركات الشراكة بين القطاعين العام والخاص» لا يعني التساهل في مسألة سرعة إدراج الشركات في السوق الأول مباشرة، من دون التحقق مما ينطبق على معايير تأهيل الشركات من السوق الرئيسي الى الأول، خصوصا شروط القيمة السوقية ومتطلبات السيولة التي يُحتمل ألا تنطبق على الشركات الجديدة المدرجة في السوق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أول شرط للإدراج في السوق الأول هو أن تكون الشركة مدرجة في البورصة لمدة عامين على الأقل، وهو شرط عالي المهنية يعبّر عن خبرة وحصافة في التعامل مع مسألة تأهيل الشركات، مما يقوّض الحاجة للجوء إلى «الاستثناء» في أضيق الحدود.
قيمة البورصة الحقيقية في كونها سوق مال أي أداة تمويل واستثمار مما يتطلب العمل الدؤوب على تطوير معايير الشفافية والحوكمة والإفصاح
وهناك خشية أن يصبح تخفيف مسألة الإدراج في السوق الأول، بكل ما فيه من مميزات في السيولة والاسترشاد من الصناديق وإمكانية الحصول على حصة من تدفقات المستثمرين الأجانب، بمنزلة «الجائزة» لمن يُدرج أسهمه في بورصة الكويت، وليس استحقاقا، في حين أن الحصافة تقضي بأن يكون السوق الأول امتيازا لشركاته التي تحقق معايير السيولة والقيمة السوقية، فضلا عن أن حرمان السوق الرئيسي الشحيح أصلا بالسيولة من شركات جديدة يفترض أنها مؤهلة للإدراج، لا شك في أنه يقوّض مساعي تطوير هذا السوق ورفع جاذبيته.
سلاح ذو حدين
فالسياسة التيسيرية في الإدراج بالبورصة سلاح ذو حدين، فهي من ناحية إيجابية يفترض أن تستقطب عددا أكبر من الشركات العائلية والتجارية الى منصة الإدراج - وهو ما لم يحدث فعليا - كي تصبح البورصة وجهة للعديد من الشركات التشغيلية، لكن في المقابل قد تكون هذه السياسة التيسيرية ثغرة لشركات ورقية أو غير تشغيلية أو تنتمي لعائلات ومجاميع طالما عانت البورصة لسنوات سلوكياتهم المنحرفة، والتي خلقت أزمة ما يُعرف بـ «شركات العفن» التي استهلك تنظيف السوق منها وقتاً وجهداً كبيراً من عمل الجهات الرقابية.
قيمة البورصة
إن قيمة البورصة الحقيقية في كونها سوق مال، أي أداة تمويل واستثمار، مما يجعل الثقة فيها - من خلال العمل الدؤوب على تطوير معايير الشفافية والحوكمة والإفصاح والبُعد حتى عن أي احتمال مفترض لتعارض المصالح - أمرا بالغ الأهمية والحساسية على منظومة السوق كاملة من مشغّل ومستثمر ووسيط ورقيب وغيرهم، والعمل على رفع قيمتها ليست المالية فقط، بل قيمتها كمؤسسة ناجحة عالية المهنية.