الجنسية ولاء وانتماء... لا عبث ورداء

نشر في 13-06-2024
آخر تحديث 12-06-2024 | 20:22
 د. محمد المقاطع

في كل دول العالم، تعتبر الجنسية هي التعبير عن رابطة المواطنة للدولة، والجنسية بهذا الاعتبار قد تُستحَق وقد تُكتسَب، واستحقاق الجنسية يُبنى على أسس محددة، أما اكتسابها فهو يتم بطرق وأسباب مختلفة، وهناك دائماً في جميع الأنظمة القانونية هذان المساران في الحصول على الجنسية، إما باعتبارها استحقاقاً أو أنها اكتساب، ولكل نوع منهما طبيعته وآثاره ونتائجه القانونية.

الكويت منذ زمن بعيد أدركت أهمية هذا الأمر وأبعاده السيادية والقانونية لارتباطه الوثيق بالهوية الوطنية، التي تمثل المواطنة قوام وجودها، فأصدرت القانون 15 لسنة 1959 بشأن الجنسية، ليكون سنداً وفيصلاً في بيان الجنسية الكويتية، استحقاقاً واكتساباً، بشروط وضوابط وإجراءات تحكم الحصول عليها وفقدها، والأحوال والأسباب اللازمة لاستمرار التمتع بها، وهو قانون يواكب كل القوانين العصرية والحديثة.

ومن فضائل هذا القانون أنه حدد الجنسية الكويتية المستحقة (بالتأسيس أو بصفة أصلية)، بالمادتين الأولى والثانية منه المرتبطتين ببعضهما ارتباطاً لا يمكن فصله، كما أنه حدد الجنسية المكتسبة وضوابطها وأسباب كسبها وشرط استمرارها وأحوال فقدانها أو سحبها.

وكل ذلك بصورة مسبقة وعلى نحو قانوني محكم ومنضبط.

فكيف حدث العبث بالجنسية ومن ثم الهوية الوطنية رغم ذلك التنظيم القانوني المحكم؟... تم ذلك بأحوال متعددة هي:

1- التجنيس السياسي أو العبثي، أي الحصول غير المشروع على الجنسية دون تحقق شروط وضوابط القانون وبالمخالفة له أحياناً كثيرة.

2- الازدواج بالجنسية بالمخالفة للقانون وما يترتب عليه من فقدانها أو سقوطها قانوناً.

3- تزوير الجنسية بطرق وأساليب متعددة وبطرق احتيالية خبيثة.

4- الانتساب للغير خلافاً للحقيقة للحصول عليها.

وهو ما أوجزه سمو الأمير بتشخيص ذلك في خطابه «من دخل البلاد على حين غفلة، وتدثّر في عباءة جنسيتها بغير حق، ومن انتحل نسباً غير نسبه، أو من يحمل ازدواجاً في الجنسية، أو وسوست له نفسه أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها... هذه الظواهر السلبية لن تبقى وسوف يُعاد النظر فيها».

ومن فضائل النظام القانوني الكويتي - أسوة بالأنظمة القانونية المقارنة - أن جرائم التزوير والغش والتدليس لا تسقط بالتقادم، ومن ذلك قضايا الجنسية وفقاً للقانون 15 لسنة 1959 وأحكام محكمة التمييز المتواترة بهذا الشأن.

وأخيراً وليس آخراً فإن بناة المرحلة الدستورية الوطنيين حقاً المتجردين عن المصالح الانتخابية والمنحازين فقط لمصلحة الكويت العليا في المجلس التأسيسي هم من وضعوا نص المادة 82 من الدستور، وفيها قصروا عضوية مجلس الأمة على الكويتيين المؤسسين وأبنائهم وإن نزلوا باختيارهم عبارة «كويتي بصفة أصلية»، وأوضحوا حكمة ذلك وأسانيده بالمذكرة التفسيرية للدستور إمعاناً في بيان مرادهم وعدم منح ذلك للمتجنس مهما مضى عليه من الزمن، وهم أيضاً من وضعوا قانون الانتخابات رقم 15 لسنة 1962 الذي منع المتجنس من الانتخاب إلا بعد عشر سنوات، ثم مُددت من جيلهم إلى عشرين سنة ثم لثلاثين سنة لحكمة سيادية راجحة. وهو الحكم المقرر حتى اليوم بالقانون 32 لسنة 1995 الذي ألغى ضمنياً القانون 44 لسنة 1994 وأيضاً بالمرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2024، الذي أصدره سمو الأمير توافقاً مع توجهاته بنطقه السامي في 10 مايو 2024.

وقد جاء القانون 44 لسنة 1944 متسللاً على أحكام الدستور وإرادة رجالات المجلس التأسيسي لدوافع انتخابية ورغبات سياسية جانحة ومنحرفة هادرة لمصلحة الكويت العليا والسيادية!

وأخيراً لا شك في أن من يدافع عن المسلك الأخير بجنوحه - يعبر عن رأيه وقناعاته التي تُحتَرم - لكنه يهدر التحصين الحقيقي للجنسية الكويتية من العبث السياسي وآليات الأغلبيات البرلمانية المنحرفة أو المنجرفة وراء مصالح وآراء غير سديدة، ولم تُبن على ركائز دستورية ومنطقية وسيادية خلافاً لما قرره المجلس التأسيسي وجيلهم، وعبّر عنه رئيس المجلس المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم في مقالته التي نُشرت عام 1981.

back to top