يقول الشاعر العراقي صفي الدين الحلي:

لما رأيتُ بني الزمانِ وما بهم

Ad

خِلٌّ وفيٌّ للشدائد أصطفي

أيقنتُ أنَّ المستحيلَ ثلاثةٌ

الغولُ والعنقاءُ والخلُّ الوفي

العنقاء أو فينكس أو طائر الفينيق، هو طائر أسطوري خرافي طويل العنق يتفق المؤرخون على أنه رمز للقوة والعزيمة التي تلهم الإنسان لمواجهة الصعاب وتحدي المستحيل، وتمكنه من العودة إلى الحياة كل ألف عام، تصوره الأساطير بأنه يتجه إلى الشام حيث يبني عشه في أعلى شجرة، ثم يضرم النار في هذا العش ليحترق ويموت، وبعد مرور ثلاثة أيام على عملية الانتحار ينطلق هذا الطائر من بين ركام الرماد على هيئة مخلوق جديد وكأنها دودة تتحول إلى شرنقة يخرج منها طائر العنقاء الذي يرمي بقايا جسده القديم على مذبح الشمس في هليوبوليس في مصر، ليعود بعدها إلى موطنه الأصلي في الشرق وكأنه طائر خالد لا يموت، وهذه هي الكويت دوماً.

خلال العقود الثلاثة الماضية انتشر في مجتمعنا فساد مالي وإداري بشكل غير مسبوق، ساهم بإيجاد ما يسمى التجنيس العشوائي الذي شوه الهوية الكويتية، وأدخل علينا التوظيف الباراشوتي لقتل الروح الكويتية التي جبلت على الإخلاص لتراب هذا البلد، وجمدت المشاريع وطفشت الكفاءات الكويتية وهجرت العقول الكويتية في سابقة لم نشهدها من قبل، فصارت الكويت بيئة طاردة لعقول وطنية ورؤوس أموال المستثمرين الماليين والعقاريين والتجار، الذين كانوا يبحثون عن ملاذات آمنة لمشاريعهم، وتسبب هذا الوضع المأساوي بتراجع الكويت في كل المجالات التعليمية والصحية والإدارية والتنموية في الوقت الذي كانت فيه دول الخليج العربية تسابق الزمن لاستقطاب الاستثمارات بكل أشكالها.

وفجأة ومن بين رماد اليأس الذي كاد يصيب الكويتيين في مقتل، لولا إيمانهم بالله سبحانه وتعالى، خرج علينا صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، ليقلب أوضاعنا رأساً على عقب، مسابقاً الزمن لترتيب البيت الكويتي ومحاولاً سموه تغيير موازين الفكر المحلي منذ تسلمه سدة الحكم، بدأها بتحجيم السلطتين التشريعية والتنفيذية في سابقة تاريخية غير مسبوقة، لتعاونهما واجتماع كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد، خصوصاً في مسألة التعيينات التي لم تتفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف، وملف العفو وما ترتب عليه من تداعيات.

وأثلج سموه صدور أبنائه المواطنين عندما أكد أن مسؤولية وأمانة الحكم تستوجب أن يكون القائد الحكيم والعادل قريباً من الجميع يسمع ويرى ويتابع، ولهذا عرف كيف يبطل مفعول آلة التدمير عندما حل مجلس الأمة، ثم اختتم سموه قراراته التاريخية بأن أبدع في اختيار من يعينه على الحكم عندما وقع اختياره على سمو الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح ليكون ولياً للعهد.

كل هذه الإنجازات السياسية دفعت كل الكويتيين نحو التساؤل: «وين كان الشيخ مشعل من قبل؟»، من أين «طلع البدر علينا»؟ أين كان هذا الحاكم العادل الدارس للفكر الكويتي كل هذه السنين؟ وكيف تفهم شعور الكويتيين بغصة خانقة لما آلت إليه أوضاعنا المحلية من فوضى رغم المناشدات المتواصلة للمسؤولين بعمل أي شيء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دون جدوى؟ ورغم ذلك نقول: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، والحمد لله على كل حال، ولا يسعنا إلا أن نتضرع إلى الباري عز وجل أن يطيل في عمر صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وولي عهده الأمين سمو الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وأن يمكنهما من تحقيق الأمن والأمان لبلادنا، والانتقال بكويتنا الغالية إلى مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات بعد سنوات عجاف كادت تأتي على الأخضر واليابس.. إنه سميع مجيب الدعاء.