يعاني المجتمع الإسرائيلي صراعاً نفسياً يتماهى مع حالة الحرب شبه الدائمة منذ عام 1948م، هاجس المعركة القادمة التي عُبِر عنها باليوم التالي للحرب، فاستدعاء الشعب الإسرائيلي بشتى تقسيماته الفكرية والاجتماعية لطيف الماضي الدموي ضد الطائفة اليهودية أثناء العصور المتقدمة، العهد البابلي والآشوري والروماني، إلى العصر الوسيط في شرق أوروبا وغربها، بما تتضمنه من بوغروم pogrom «المذبحة المدبرة»، هو أحد أسباب الخيبة المستمرة ومشاعر الإحباط بأي مشروع سلام محتمل بين الشعبين المتنازعين.

تاريخياً، لم يثق اليهود يوماً بغيرهم، يقول الحاخام «ابراهام أفيدان»: يجب علينا ألا نثق بغير اليهودي، هكذا علمتنا شريعتنا، مكوثهم في (الغيتوات) المنعزلة اجتماعياً لم توفر لهم الأمان والسلام، فقد عانوا العنف والتهجير والتنكيل والقتل، في روسيا وأوكرانيا وبولندا ومولدافيا وألمانيا، سجل التاريخ استسلامهم لجلاديهم بلا مقاومة، مما لطخ سمعتهم بالهوان والذل.

Ad

يحث قادة الصهاينة الخطى للتعمية على تاريخ الشتات اليهودي المخزي من وجهة نظرهم، ومحاولة استبعاده من اللاوعي والذاكرة الإسرائيلية، يريد هؤلاء أن يعيدوا رسم الشخصية اليهودية وتأسيسها على مبادئ أخلاقية مخالفة لما مضت، مبادئ شرعتها التوراة، قوة البطش والعنف والتنكيل الذي لا يعرف الرحمة مطلقاً، يصرح مناحيم بيغن: إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست للأمن بل للسيف، ويضيف بن غوريون: بالنار والدم سقطت يهودا، وبالنار والدم ستقوم يهودا.

يريد قادة الصهاينة ومنهم نتنياهو أن تستمر حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، ليسجلوا انتقاماً لا انتصاراً، وليثبتوا رجولة مكتسبة بالدم والعار على الإنسانية، أن تكون الشخصية الصهيونية قدوة لا أخلاقية بسلوكها الوحشي الهمجي، حتى إن لفظتها الشعوب واستنكرتها، كما يريدون أن يسطروا تاريخياً ولو لمرة واحدة أنهم كانوا يوماً ما أسياداً هاجموا وقتلوا وروّعوا وأبادوا، ويتمنوا أن يرصدوا بسجل الطغاة والجبابرة والعتاة، حتى إن تلبسوا بلباس الفاشية والنازية والعنصرية، المهم أن ينسبوا للنخب المجرمة التي تتفوق بالقتل والإبادة والبربرية، ولهم ضحاياهم، حتى لمن استضافهم وفتح لهم أرض فلسطين أماناً لهم من الخطر الأوروبي الذي كان يتهددهم على الدوام.

استمرار الحرب الراهنة في غزة يستنفر عند الصهاينة مشاعر الكراهية والحقد والعدوانية، فلا رحمة ولا تأنيب ضمير، يتمادون في نرجسية نقائهم واصطفائهم كجنس بشري متفوق بالقتل والسيطرة والتحكم ببقية الأجناس، لذلك لن يقبل الصهاينة بأنصاف الحلول، لا السلام ولا التعايش المشترك، ولا حل الدولتين، يريدون التاريخ والجغرافيا والسيطرة والحكم.