في وقت تكثف واشنطن تحركاتها الدبلوماسية للضغط على كل الأطراف بهدف إيجاد مخرج للصراع الذي يهدد بانزلاق المنطقة للمزيد من العنف، كشف مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، أمس، أن الرئيس الأميركي جو بايدن حث زعماء مجموعة السبع على دعم مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وتشجيع «حماس» على قبول الاقتراح الذي طرحه منذ أسبوعين، في حين دافعت الحركة عن التعديلات التي أدخلتها على المقترح الذي أعلنه بايدن ووصفه بأنه اقتراح إسرائيلي.
وقال سوليفان، في تصريحات على هامش اجتماع زعماء مجموعة السبع في جنوب إيطاليا، إنه يتعين على العالم تشجيع الحركة الفلسطينية على قبول الاقتراح وتجنّب الوصول إلى طريق مسدود.
وذكر أن إسرائيل تدعم اقتراح وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ 8 أشهر ضد القطاع الفلسطيني، وأن الهدف هو جسر الهوة مع «حماس» والتوصل إلى اتفاق قريباً.
وكرر المسؤول الأميركي وصفه لرد الحركة التي طرحت بعض المطالب عبر الوسطاء في مصر وقطر بأنه تضمن «تعديلات على المقترح الأساسي بعضها طفيفة يمكن العمل عليها، وأخرى لا تتماشى مع ما طرحه بايدن أو مع القرار الذي تبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وأكد سوليفان أن إسرائيل تدعم اقتراح وقف إطلاق النار الذي أعلنه بايدن في خطاب يوم 31 مايو الماضي، مضيفاً أنه لم يسمع أي زعيم إسرائيلي يرفض الاتفاق.
وأشار سوليفان إلى أن بايدن سيناقش «تزايد شدة ونطاق الضربات التي يشنها حزب الله في عمق إسرائيل، بما في ذلك المناطق المدنية»، موضحا أن وقف إطلاق النار في غزة سيساعد على إحلال الهدوء على تلك الجبهة أيضاً.
وقالت مسودة البيان الختامي لقمة مجموعة السبع إن قادة المجموعة يؤيدون الجهود الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، ويعبرون عن قلقهم البالغ إزاء الوضع على الحدود الإسرائيلية ــ اللبنانية.
وأضاف البيان أن زعماء المجموعة أكدوا مجدداً التزامهم الراسخ بحل الدولتين ليعيش الإسرائيليون والفلسطينيون في سلام جنباً إلى جنب، وإضافة إلى ذلك، سيدعون إسرائيل إلى الامتناع عن شن هجوم واسع النطاق على مدينة رفح «بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي».
في المقابل، اعتبرت «حماس» أن موقف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بتحميلها تعطيل التوصل لاتفاق، ما هو إلا تواطؤ أميركي مع إسرائيل في «حرب الإبادة»، في إشارة منها إلى ما قاله كبير الدبلوماسيين الأميركيين بأنه كان على الحركة القبول بالمقترح المطروح كما هو، مؤكداً أنه إذا تمسكت الحركة بخيار الرفض فسيكون واضحاً أنها اختارت الحرب. وأضافت الحركة، في بيان أمس، أنها تعاملت بإيجابية ومسؤولية مع مقترح التوصل لاتفاق شامل لوقف النار والتبادل. كما طالبت «حماس» الإدارة الأميركية بتوجيه الضغط إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول باتفاق من شأنه أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع المحاصر.
وقالت الحركة الإسلامية إنه بينما يقول المسؤولون الأميركيون إن الدولة العبرية تقبل المقترح الذي قدمه بايدن «لم يسمع العالم أي ترحيب أو موافقة من نتنياهو وحكومته».
جاء هذا بعدما كشفت معلومات جديدة تفاصيل التعديلات التي طلبتها «حماس»، إذ تحدثت أوساط عن مطالبة الحركة بـ«رفع الحصار» عن غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا في المرحلة الأولى قبل الانسحاب الكامل والوقف المؤقت ثم التام لإطلاق النار في المرحلة الثانية، إضافة إلى اشتراط دور لـ«أونروا» والأمم المتحدة وانضمام الصين وروسيا وتركيا إلى أميركا وقطر ومصر كـ«جهات ضامنة» للاتفاق، مع الموافقة على خطة لإعمار غزة خلال 3-5 سنوات.
وفي وقت سابق، رحبت «حماس» باقتراح وقف إطلاق النار لكنها تصر على أن أي اتفاق يجب أن يضمن إنهاء الحرب، وهو مطلب لا تزال حكومة نتنياهو ترفضه. ووصفت إسرائيل رد «حماس» على مقترح بايدن الأخير لتبادل المحتجزين وإقرار هدنة تمتد لـ6 أسابيع بأنه «رفض كامل».
وأمس، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن مسؤولين قولهم إن «فرص التوصل لاتفاق مع حماس لوقف إطلاق النار باتت معدومة، في ظل ظروف معقدة».
وقال قيادي كبير من «حماس» لـ «رويترز» أمس، إن التعديلات التي طلبت الحركة إجراءها على مقترح وقف إطلاق النار الذي قدّمته الولايات المتحدة «ليست كبيرة»، وتشمل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. وأضاف القيادي أن الحركة تطالب باختيار قائمة تضم 100 فلسطيني محكوم عليهم بالسجن لفترات طويلة ليتم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية.
وأوضح أن «حماس تحفظت على استثناء الورقة الإسرائيلية لمئة أسير من الأسرى الفلسطينيين، من ذوي الأحكام العالية، تقوم هي بتحديدهم، فضلاً عن تقييدها المدة الزمنية للإفراج عن ذوي الأحكام العالية بألا تزيد المدة المتبقية من محكوميتهم على 15 عاماً».
وتدعو خطة وقف إطلاق النار إلى مرحلة أولية مدتها 6 أسابيع، تقوم فيها «حماس» بإطلاق سراح بعض الرهائن - بمَن في ذلك النساء وكبار السن والجرحى، مقابل انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة بالسكان، مع تمكين الفلسطينيين خلال هذه المرحلة من العودة إلى منازلهم وتكثيف المساعدات الإنسانية لغزة.
ومن المفترض أن يستخدم الجانبان فترة الـ6 أسابيع تلك للتفاوض على اتفاق بشأن المرحلة الثانية، التي قال بايدن إنها ستشمل إطلاق سراح الرهائن الأحياء المتبقين جميعاً، بمَن في ذلك الجنود الذكور، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة. وسيصبح وقف إطلاق النار المؤقت دائماً. لكن هذا سيحدث فقط إذا اتفق الجانبان على جميع التفاصيل.
ويبدو أن «حماس» تشعر بالقلق من أن إسرائيل ستستأنف الحرب بمجرد إعادة رهائنها الأكثر ضعفاً (النساء وكبار السن والجرحى). وحتى لو لم يحدث ذلك، يمكن لإسرائيل أن تتقدم بمطالب في تلك المرحلة من المفاوضات لم تكن جزءاً من الصفقة الأولية وغير مقبولة بالنسبة لـ«حماس»، ثم تستأنف الحرب عندما ترفضها «حماس».
وقال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إن إسرائيل ستطالب في تلك المفاوضات بإزاحة «حماس» عن السلطة. وأضاف: «لا يمكننا أن نوافق على استمرار حماس في السيطرة على غزة، لأن غزة حينها ستستمر في تشكيل تهديد لإسرائيل».
وتبدو إسرائيل أيضاً قلقة من بند الخطة الذي يقضي بتمديد وقف إطلاق النار الأولي ما دامت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية مستمرة. وذكر إردان أن ذلك سيسمح لحماس «بمواصلة المفاوضات التي لا نهاية لها، والتي لا معنى لها»، حسب وصفه.
وفي اليوم الـ251 من الهجوم الإسرائيلي على غزة، واصلت القوات الإسرائيلية، غاراتها الجوية وقصفها المدفعي على مناطق متفرقة من القطاع، مخلفة 30 قتيلا و105 إصابات خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.
وتقدمت الدبابات الإسرائيلية باتجاه دوار العلم ومنطقة الأكواخ في مواصي مدينة رفح، وشاركت طائرات مروحية ومسيرة في عملية خاطفة أطلقها الجيش الإسرائيلي لساعات، حيث قصفت منازل وخياما للنازحين الذين أخلى جزء كبير منهم المنطقة باتجاه خانيونس.
وتسبب الهجوم في موجات نزوح جديدة لآلاف الفارين من المناطق التي أعلنتها سلطات الاحتلال في وقت سابق آمنة، في حين وصف البعض القصف الإسرائيلي الذي شاركت فيه زوارق حربية بأنه واحدة من أسوأ ليالي القصف على المنطقة التي تتعرض لحرب منذ 8 أشهر.
كما اندلعت اشتباكات مسلحة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي غرب حي تل السلطان في رفح، وفي مخيم الشابورة وسط المدينة، وقامت القوات الإسرائيلية بنسف عشرات المنازل في المخيم ووسعت توغلها بالأحياء الغربية للمدينة الأقرب إلى الحدود المصرية.